صادرات السعودية غير النفطية ترتفع 22.8 بالمائة في سبتمر 2024 العميد الأكحلي: شرطة تعز ماضية في تثبيت الأمن والاستقرار بالمحافظة اللواء الجبولي: الوحدة 16 طيران مسير تلعب دورًا محوريًا وحاسما في ميدان المعركة قائد لواء الريان بالمنطقة العسكرية الثانية يؤكد أهمية تعزيز الحس الأمني تدشين برنامج الطبيب الزائر الـ41 لجرحى القوات المسلحة في مأرب انطلاق البطولة الثانية لكرة اليد لأندية محافظة مأرب اليمن يترأس الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين الارياني: مليشيات الحوثي تواصل احتجاز المئات على خلفية نيتهم الاحتفال بذكرى ثورة سبتمبر الوزير الزنداني يصل العاصمة الإيطالية للمشاركة في منتدى حوارات روما المتوسطية "صحة مأرب" يوزع 53 ألف ناموسية مشبعة بالمبيد في مديريات الوادي وحريب ورغوان
تحقيق | صادق هزبر – لا تقتربوا من هذه الخرابة وإياكم يا أبنائي الولوج إلى ذاك الكهف أو الجلوس في تلك الخرابة البائدة أو التسلق إلى سفح ذاك الجبل .. بل إياكم يا أبناء القرية المكوث في أحضان تلك الأطلال والأبنية المدمرة لأن فيها جن وأرواح شريرة تصيبكم بالعمى أو الاختفاء الجنون وفلان أخذت الجن نظره لأنه اقترب من ذاك الموقع المهجور وبدأ ينبش بحثاٍ عن الكنز. وآخر تلبسته أم الصبيان بعد أن اقترب من الكنز .. بل لا تجلسوا عند تلك المقابر البعيدة في الليل لأن أنين الموتى تعج بالضجيج ليلا ٍ وتفتح المجنات أبوابها لمن يعمل على نبشها . تلك هي محاذير الآباء والأجداد المتداولة منذ آلاف السنين وأضحت ثقافة لحماية الآثار والمواقع الأثرية خلال آلاف السنين ومثلت أسطورة الجن القابعين فوق تلك الكنوز والمواقع الأثرية أفضل حراسة أمنية لحضارة وتاريخ وتراث اليمن دون تكاليف مادية أو عتاد .وظلت هذه الثقافة سائدة إلى وقت قريب.
أما اليوم فإن الآثار اليمنية تتعرض لهجمة شرسة من قبل مافيا وتجار ومهربي وسما سرة الأثار كما تتعرض المواقع الأثرية للنبش والتجريب والتدمير بشكل كبير وعملية نهب حضاري منظم. يقول الأخ عبدالكريم البركاني نائب مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة االعامة للآثار والمتاحف إن الآثار والمواقع الأثرية اليمنية في معظم المحافظات اليمنية تتعرض لتدمير ونهب وخراب ونزيف من قبل مافيا وتجار الآثار مما يهدد حضارة وهوية اليمن وتاريخ بلاد السعيدة وأن هناك عدم اهتمام من قبل السطات المحلية مؤكدا أن حماية الآثار مسؤولية كل يمني وتعد اليمن واحدة من أهم الدول الحضارية العريقة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ فلا توجد مدينة تاريخية أو موقع يمني بل لا يوجد شبر في أرض اليمن إلا ويعبر عن مكنون حضاري فمن المهرة إلى صعدة ومن صنعاء إلى شبوة تنبئك الجبال والوديان والقلاع والحصون بأن اليمن مهد الحضارة ولكن هذه الآثار تتعرض للنهب والسرقة والاهمال والمتاجرة والتهريب وما تعرضت له عصيبية السدة والعود وبراقش ومارب والجوف كفيل بتهديد هوية اليمن الحضارية. مؤكدا أن حماية الآثار مسؤولية كل يمني وظاهرة تهريب الآثار اليمنية أخذت بعدا منظما بسبب ضعف الدور الرقابي للأجهزة الأمنية ووجود أغلب المواقع الأثرية في مناطق نائية واتساع الحدود البرية والبحرية مما ساعد المهربين على تنفيذ جرائمهم بإتقان كما أن تجار ومهربي الآثار يقومون بتشجيع المواطنين القاطنين قرب المواقع الأثرية على القيام بعمليات حفر عشوائية بحثا عن الآثار لشرائها منهم مما أدى إلى تدمير هذه المواقع وإصابتها بأضرار كبيرة ويقول البركاني أن إنشاء إدارة عامة للشرطة السياحية وحماية الآثار ضمن هيكل وزارة الداخلية يعطينا أملاٍ للقيام بواجبها في حماية الآثار والمواقع الأثرية. وحول عملية تهريب القطع الأثرية يقول الأخ مهند السياني رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف إن الأجهزة الأمنية ووحدة مكافحة تهريب الآثار ضبطت ٠٠٥١ قطعة أثرية بمطار صنعاء الدولي كانت في طريقها إلى التهريب خارج البلاد على يد يمنيين وعرب وأجانب منها قطع تاريخية نادرة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ مؤكدا أن القطع التي تم ضبطها خلال الفترة من عام ٦٠٠٢م وحتى العام ٢١٠٢م تتمثل في تماثيل برونزية وقطع أثرية من الرخام والمرمر والقطع الحجرية بالإضافة إلى عملات أثرية متنوعة تعود لفترتي ما قبل الإسلام وما بعد الإسلام بالإضافة إلى مجموعات من الخشبيات المزخرفة القديمة والحلي والمشغولات الفضية والمعدنية التي تعود إلى البوسانية وأوضح السياني أن اللجنة المكلفة بجرد هذه القطع الأثرية والمكونة من الهيئة العامة للآثار والمتاحف وإدارة المطار والجمارك والأمن ونيابة الآثار قد انهت أعمال الجرد واختتمت تقريرها النهائي ونحن بصدد استلامها من المطار. وأشاد مهند السياني بإدارة مطار صنعاء الدولي والأجهزة الأمنية في المطار والجمارك والجهات ذات العلاقة وكذلك بمفتشي الآثار بمطار صنعاء الدولي. من جانبه يقول البركاني نائب مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة العامة للآثار والمتاحف أن من بين القطع الأثرية التي تم ضبطها في المطار قطع تاريخية وهامة منها ما تم ضبطه في العام ٨٠٠٢م وهي قطعة آنية متحجرة تعود لعصور ما قبل التاريخ وهي واضحة الملامح والشكل والنوع بالإضافة إلى قطع أثرية أصلية وأخرى مزورة وخلال الأعوام الأخيرة ضبطت السلطات الأمنية العديد من القطع الأثرية تتنوع بين نقوش وتماثيل في المنافذ الحدودية والبرية وكذا في مطار صنعاء كانت في طريقها إلى خارج البلاد. وتشير احصائيات سابقة للهيئة العامة للآثار والمتاحف إلى انه تم ضبط قرابة ستة آلاف قطعة أثرية مختلفة خلال الأعوام 2002م وحتى 2006م لمهربين حاولوا سرقة أو تهريب الآثار في اليمن.
خطر الضياع ❊ ويقول خبراء الآثار والمختصون أن اليمن تتعرض لسونامي أثري من قبل مافيا الآثارويقول آخرون أن حضارت اليمن القديمة أضحت تواجه خطر الضياع مع ازدياد عمليات التهريب للآثار إلى خارج هذا البلد الذي يتباهى بكونه متحفا مفتوحا لانتشار شواهد موروثه الحضاري التي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد في مختلف مناطقه. وهذا البلد الذي كان يعرف باسم “اليمن السعيد” غني بالمواقع الأثرية الشاهدة على تاريخ عريق يدل على أنه موطن للعديد من أقدم الحضارات في العالم التي توالت فيه كحضارة سبأ ومعين وحمير وأوسان وتوالي الحضارات اليمنية القديمة سببا في جعل آثارها تمتد على طول وعرض البلاد حتى أضحى هذا البلد أشبه بالمتحف المفتوح. لكن آثار وتراث اليمن تتعرض اليوم لحرب استنزاف هويتها الحضارية تلك الآثار أصبحت في الآونة الأخيرة عرضة للسرقة والتهريب إلى خارج البلاد بل أصبحت الآثار اليمنية تباع بالمزاد العلني داخل البلد وخارجه نظرا لضعف القوانين التي تضمن حماية ذلك الموروث الحضاري وتنزل عقوبات مشددة على من يتورط في تهريبه. فقانون حماية الآثار اليمنية الساري حاليا يفرض عقوبة الحبس لمدة لا تزيد على خمسة أعوام أو بغرامة لا تقـل عن 50 ألف ريال (نحو 220 دولارا) أو بالعقوبتين معا في حق كل من هـرب أو اشترك في تهريب آثار إلى خارج البلاد ولهذا فإن قانون الآثار الحالي يحمي المهربين بل ويشجعهم على التهريب وهي عقوبة مخففة في نظر المختصين الذين يطالبون بإعادة النظر في تلك العقوبات
قانون الآثار يحمي المهربين ❊ ويرى المختصون بالآثار أنه “ينبغي على الحكومة أن تعدل قانون حماية الآثار بالشكل الذي يضمن حمايتها من السرقة والتهريب لأن لصوص الآثار يجدون وسيلة تهريب الآثار مطمعا سهلا بسبب بساطة العقوبات التي يقول إنها “تكاد تكون شبه غائبة يجب أولا إعادة النظر في قانون الآثار بالشكل الذي يكفل حماية تاريخنا وآثارنا ووضع البنود والمواد التي تحمي هذه الآثار من النهب والسلب لأن العقوبات الموجودة غير كافية ولا تفي بالغرض المنشود”.
القانون اليمني ❊ أما الدكتور أمين الحذيفي أستاذ القانون الجنائي فيقول: يرتبط مفهوم السياسة التشريعية الجنائية باحتياجات المجتمع لذلك اتجهت السياسة التشريعية في معظم دول العالم إلى حماية الآثار عن طريق تحريم الاعتداء عليها أو تشويهها والاستيلاء عليها فأصبح القانون الجنائي يعني الكثير من الأحكام المتعلقة بالآثار وهو ما كان له صدى واستجابة لتطور علم الآثار. وبالرغم من أن الدراسات والأبحاث التي عنيت بموضوع الآثار كثيرة ومتشعبة في جوانبها العلمية والفنية إلا أن الجانب الجنائي لهذا الموضوع لم يلق اهتماما كافيا فظل بكرا لم يشبعه الباحثون بعد دراسة وتمحيصاٍ ومن ثم فإن جوانب كثيرة منه لا زالت غامضة ومجهولة تحتاج إلى من يسبر أغوارها ويرتاد مجاهلها.وتتضاعف أهمية موضوع الحماية الجنائية للآثار فالأهمية هنا إضافية إلى الأهمية التقليدية – المادية- تبرز أهمية استثنائية – معنوية- للآثار يجعلها تستأهل أن تكون محلا لمصلحة جديرة بالحماية الجنائية »1« كونها تمثل الرصيد الدائم من التجارب والخبرات والمواقف التي تعطي الإنسان القدرة على أن يواجه الحاضر ويتصور المستقبل باعتبارها من أهم مكونات الذاكرة الممتدة إلى أعمق جذورها. ولذلك فإن تهريب أو سرقة الآثار وسقوطها أو تدميرها يعني انقطاع جزء من تاريخنا ومحو شيء من ذاكرتنا لن نعوضه أبدا فقيمة الآثار لا تقف عند متعة مشاهدة المكان فحسب ولكنها تعني استعادة تاريخ فإذا سقط المكان أو توارى سقطت معه رموز التاريخ وضاعت ذاكرة الأمة فآثار الحضارات اليمنية القديمة سبأ »2« ومعين وحمير وقتبان وحضرموت تمثل حضارة وتاريخ العرب أجمعين وبالتالي فإن ضياع شيء من ذلك يعد ضياعا لجزء من الحضارة الإسلامية والعربية بل من تراث الإنسانية عموما لن نعوضه أبدا. وإذا أردنا تقدير جسامة جرائم الآثار من وجهة النظر المتعلقة بالشخص وخطورته الإجرامية فإنها تمثل درجة خطورة دنيا بالنسبة للجرائم الأخرى العادية بينما من وجهة النظر الموضوعية وما يترتب على تلك الجرائم من نتائج فإنها تمثل درجة خطورة قصوى ليس على الصعيد الوطني فحسب بل على الصعيد الدولي ككل كون الآثار تمثل إرثا إنسانيا للبشرية جمعاء فهي تعتبر من الجرائم الدولية العابرة للحدود يهدف منفذوها للحصول على عائدات إجرامية ممثلة مصدرا من مصادر غسل الأموال للعصابات المنظمة وما فيا الفساد والجماعات الإرهابية مما يعني ضرورة التصدي لهذه الجرائم بنصوص عقابية تتضمن شدة الردع. وبخصوص تهريب الآثار يقول الدكتور الحذيفي يعاقب المشرع اليمني كل من هرب أثراٍ أو اشترك في تهريبه إلى خارج الجمهورية بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن قيمة الأثر المهرب حسب تقدير الهيئة على أن لا يقل المبلغ عن مائة ألف ريال أو بالعقوبتين معاٍ مع الحكم بمصادرة الأثر محل الجريمة وكذلك الأشياء المستخدمة في تنفيذ الجريمة لصالح صندوق دعم الآثار وذلك استناداٍ إلى نص المادة 37 من قانون حماية الآثار. ويحسب للمشرع اليمني تشديده في عقوبة هذه الجريمة مقارنة بالعقوبات الواردة لبقية جرائم الآثار بجعلها من الجرائم الجسيمة وبالتالي يجب على القاضي عند تفريده لعقوبة الحبس ألا تقل عن ثلاث سنوات إلا إذا وجدت ظروف تنقلها من صفة الجرائم الجسيمة إلى صفة الجرائم غير الجسيمة. إلا أن هذا الوجه من التشديد السابق بيانه يصاحبه وجه آخر من أوجه التخفيف وهو جعل عقوبتي الحبس والغرامة تخييريتين وهو ما يلزم التأكيد على جعلهما وجوبيتين فالواضح أن الجرائم الجسيمة تكون فيها عقوبة الحبس وجوبية وليست تخييرية ليصبح بذلك تعديل نص المادة 37 على النحو التالي: يعاقب بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن قيمة الأثر المهرب حسب تقدير الهيئة على أن لا يقل المبلغ على مائة ألف ريال كل من هرب أو اشترك في تهريب أثر إلى خارج الجمهورية اليمنية مع الحكم بمصادرة الأثر محل الجريمة وكذلك الأشياء المستخدمة في تنفيذ الجريمة لصالح صندوق دعم الآثار. ويكاد يكون المشرع المصري الأقرب في مظاهر التشديد اللازم لردع مثل هذه الجريمة الخطيرة حيث جعل عقوبة السجن الأشغال الشاقة المؤقتة بحيث قد تصل في حدها الأقصى إلى ٥١ سنة والغرامة في حدها الأقصى إلى ٠٥ ألف جنيه ومصادرة الأثر المهرب وكذا الأجهزة والأدوات المستخدمة وهي كلها وجوبية وذلك استنادا إلى نص المادة 41 من قانون حماية الآثار المصري رقم 117 لسنة 1983م. إلا أن الملاحظ على المشرع اليمني وكذا بقية التشريعات العربية بما فيها المصري باستثناء التشريع العراقي »40« في عدم تنظيم عقوبة لمن يرتكب جريمة استيراد الآثار الأجنبية إلى داخل البلاد من دون ترخيص أو بمعنى آخر تهريب الآثار بصورة غير مشروعة إلى داخل البلاد مخالفين بذلك توصيات لجنة صياغة قانون الآثار العربي الموحد التي توجب على كل دولة أن يتضمن تشريعها المتعلق بحماية الآثار.