وفد اليمن في مؤتمر المناخ يبحث مع نائب وزير الصحة الاذربيجاني تعزيز أوجه التعاون المستشار العسكري للمبعوث الأممي يطلع على نشاط مشروع مسام بمأرب اللواء ثوابة: المليشيات الحوثية تهدم أي مبادرات لإنهاء الحرب وإحلال السلام قوات الجيش تفشل هجوم لميليشيا الحوثي على قطاع الكدحة غرب تعز الأغذية العالمي: نحتاج الى 16.9 مليار دولار لمعالجة أزمة الجوع العالمية "موديز" ترفع تصنيف السعودية الائتماني عند "aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة رئيس الامارات يبحث مع الرئيس الاندونيسي العلاقات بين البلدين وشراكتهما الاقتصادية فريق طبي يؤكد استقرار حالة جدري الماء في ميناء نشطون بالمهرة مأرب تحتفي باليوم العالمي للطفولة ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 44,176 شهيدا و104,473 مصابا
>الأنظمة السياسية في البلدان العربية لا تتمتع بالاستقرار وغالبا ما توظف المنجز الإبداعي لخدمتها
> العقول التي ينتجها التعليم في الأنظمة التربوية العربية تأخذ بالأمور كما لو كانت مسلمات ..لا تستقبل ولا تحاور أو تشكك!
نظر الكثير من الباحثين العرب من زوايا مختلفة للأزمة العربية في الثقافة والتعليم في محاولة للخروج برؤية عن أسباب هذا الإخفاق الذي جعل العرب في ذيل القائمة على مدى قرون طويلة وفي سياق متصل ولكن من زاوية أكثر عمقاٍ واقتراباٍ من خصائص النفس البشرية يحاول الدكتور قاسم حسين صالح رئيس الجمعية النفسية العراقية والباحث المعروف الذي رفد المكتبة العربية بعشرات الكتب يحاول من خلال هذا الحوار لصحيفة “الثورة” أن يقدم رؤيته للكثير من قضايا الإبداع والثقافة والتعليم في المجتمع العربي.
سمفونيات • إلى أين انتهى علم النفس في نظرته للمبدع ¿ -الإبداع من وجهة نظر علم النفس الحديث هو القدرة على جعل النتاجات البشرية مثل السمفونيات أو حلول المشكلات الاجتماعية تتسم بالجدة وذات قيمة للآخرين . و هو القدرة على التفكير بخصوص شيء ما بطريقة جديدة وغير مألوفة ينجم عنها حلول فريدة للمشكلات .أو هو تلك العملية المعرفية التي تؤدي إلى نتاج شيء ما يتسم بالأصالة واستحقاق الأهمية. وهو عملية تحسس للمشكلات والوعي بمواطن الضعف والثغرات وعدم الانسجام والنقص في المعلومات والبحث عن حلول والتنبؤ وصياغة فرضيات جديدة وإعادة صياغتها أو تعديلها من أجل التوصل إلى حلول أو ارتباطات جديدة باستخدام المعطيات المتوافرة ونقل أو توصيل النتائج للآخرين. و الإبداع سمات استعداديه تضم الطلاقة في التفكير والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات أو الإسهاب . وهو النتاج أو المنجز الذي يمتاز بالأصالة والنوعية العالية والحلول للمشكلات الجديدة والمعقدةوأنه قضية حاسمة للأداء التنظيمي “المؤسساتي” في اقتصاد القرن الواحد والعشرين. وهو إنتاج شيء جديد أو صياغة عناصر موجودة بصورة جديدة في أحد المجالات كالعلوم والآداب والفنون. وهو القدرة على إيجاد شيء جديد كحل لمشكلة ما أو أداة جديدة أو أثر فني أو أسلوب جديد. وهو العمليات العقلية التي تؤدي إلى حلول أو أفكار أو أشكال فنية أو نظريات أو نتاجات فريدة أو جديدة . إن تعدد التعاريف وتنوعها يعزى إلى أنه لا توجد نظرية واحدة في تفسير الإبداع . وستظل الإشكالية قائمة إلى أن يصار إلى تحديد مفهوم الإبداع بدقة ووضوح .. حيث لم تقدم أية نظرية تفسيرا كاملا وشاملا للإبداع .وبما أن اليقين قد تولد لدى الناس والأنظمة السياسية بأن مستقبل الدولة مرهون بما لديها من موهوبين ومبدعين فان الأمر يستدعي التفكير بتوجه جديد وعملي لتحقيق هذا المستقبل. نشاط إنساني • هل مازال علم النفس ينظر للمبدع كحالة استثنائية من الناحية السيكولوجية ..بحيث لايمكن صنعها من دون وجود مقوماتها النفسية ¿ – نرى أن الإبداع نشاط إنساني محكوم بالعمليات العقلية المنجزة من قبل الدماغ وأنه يحدث بتوافر ثلاثة شروط أساسية : أولها الإنسان من حيث تكوينه الحياتي ( البايلوجي).. والأمر الثاني هو نوع وكم التنبيهات التي يتعرض لها الإنسان والأمر الثالث تتمحور حول الخصائص المميزة للإنتاج الإبداعي للإنسان. والجهاز العصبي للإنسان هو المسؤول المادي عن عملية الإبداع وعملية الإبداع هي من وظائف الجهاز العصبي والناس يولدون مزودون بأجهزة عصبية متماثلة من حيث طبيعتها التكوينية وأي طفل سوي التكوين يحمل الأساس المادي لأن يكون مبدعا ..حيث أن الجهاز العصبي والتطور الوظيفي لخلايا المخ في نشاط معين يطور بالتبعية استعدادا فسلجيا للإبداع في النشاط الذي ينشغل به الفرد. إذن المبدع هو إنسان يمتلك خصائص نفسية ودماغية متميزة¿ الأمر مرتبط حتما بنوع وكم التنبيهات التي يتعرض لها الفرد وأقصد بالتنبيه أية إشارة أو رسالة تحمل معلومة وتصل دماغ الإنسان عبر أجهزته الحسية . فالبيئات الفقيرة بتنبيهاتها يقل فيها المبدعون وان وجدوا فبمجالات محدودة فيما تكون البيئات الثرية بتنبيهاتها صالحة لأن يظهر فيها مبدعون أكثر وبمجالات متنوعة. والدليل العلمي على ذلك كمن في الهجرة من البيئات العربية إلى البيئات الأوربية والأمريكية أعني هجرةعشرات الآلاف من العقول المبدعة. تفكير تباعدي وهل هناك علاقة بين البيئة الاجتماعية ونمو الشخصية الإبداعية¿ أساليب التنشئة الأسرية لها دور بارز في هذا الشأن حيث توجد علاقة بين أساليب التنشئة الأسرية و شخصية الطفل واهتمامه ومستوى دافعيته وعمليات عقلية لها صلة بالإبداع و الإسناد الدافعي للطفل من قبل الأبوين وتشجيعه على الممارسة المستقلة وحب الاستطلاع تؤثر ايجابيا في تكوين دافع التحصيل لديه .. كما أن التحكم الوالدي المستبد والتدخل المجحف في أمور الأبناء يعمل على كف التفكير المنطلق لديهم فلا تجد القدرات الابتكارية متنفسا طبيعيا لها للظهور والتطور. و الأشخاص ذوو تقدير الذات العالي ينظرون إلى أنفسهم كونهم قادرين على مواجهة صعوبات الحياة من دون الحاجة إلى الاعتماد على مساعدة الآخرين ودافعيتهم إلى التحصيل الدراسي والإنجاز أقوى مقارنة بذوي تقدير الذات المنخفض . ولذلك ند أن الفنانين المبدعين ولدوا ونشئوا في أسر لها موقف إيجابي من الفن وتحترم ميولهم واهتماماتهم . و الممارسة الديمقراطية التي يتبعها الآباء مع أبنائهم ومنحهم حرية التعبير تعد من العوامل المهمة في نمو شخصياتهم وتحقيق ذواتهم وتنمية الخيال والقدرات الإبداعية. وقد وجد أن هناك علاقة إيجابية بين الأسلوب الديمقراطي الذي يعتمده الوالدان ومستوى التفكير الإبداعي لدى أبنائهم وعلاقة عكسية بين الأسلوب التسلطي الذي يعتمده الوالدان ومستوى التفكير الإبداعي لدى أبنائهم . و الأطفال الموهوبون يمتلكون مستويات عالية نسبيا من التفكير التباعدي ( divergent thinking ) ويتصفون بالطلاقة ” خلق أفكار كثيرة ” والمرونة ” انتقال من نوع إلى آخر من الأفكار” وهذه لا ينتبه لها لتحتضن وتنمو إلا في نوع خاص من الأسر في البيئة العربية. • هذا يعني أن الأسرة هي الأساس في خلق الروح الإبداعية ¿ لأساليب التنشئة الأسرية علاقة بنمو القدرات الإبداعية وتطورها . وان الطفل الذي يعيش في جو أسري ينعم بالدفء ويستعمل معه الوالدان أساليب تنشئة سليمة نفسيا تمنحه الحرية والاستقلال والتشجيع على اكتشاف ما حوله وطرح الأفكار دونما خوف من نقد أو سخرية وتعرضه لتنبيهات متنوعة فأن هذه الأجواء النفسية الأسرية تعمل على تنمية العمليات العقلية المفضية إلى الإبداع ( مثل : الاستطلاع حل المشكلات الدافعية مواقف فيها تحديات مناسبة …) وبه يتوافر للطفل واحد من الشروط الأساسية لأن يكون مبدعا في المستقبل . إخفاقات عربية • وكيف تنظر للواقع العربي في تنشئة العقول المبدعة¿ – المهمة الأساسية للمدرسة والمناهج التربوية تحريك السلوك باتجاه الإبداع ولا يحدث هذا التحريك ما لم تكن التنبيهات التي يتسلمها الطالب من المدرسة متنوعة وتحمل معلومات تحدث في الجهاز العصبي للطالب نشاطا فاعلا . ويسود الركود والخمول في المدرسة العربية ناجم عن استلام الطلبة تنبيهات مكررة أو خالية من المعنى. كما أن الوظيفة الجوهرية للمدرسة هي تعميق وتكوين الاستعدادات المبدعة للطالب. و المدرسة العربية لا تعمل على تحريض النشاط الإبداعي لدى الطالب . ونعلم بأن المعلم يستطيع رفع مستوى تحريك السلوك لدى التلاميذ بإعداد مواقف فيها تحديات لاستثارة دافعيتهم وأن يصبح قاعدة أمينة ينطلق منها لاستقصاء العالم المحيط به ..والمعلم في المدرسة العربية ناقل معلومات ويخشى التحديات. أضف إلى ذلك أن الاهتمام بالتعليم الجامعي ينصب على تكوين الاستعدادات لأجل البحث والقيام تدريجيا بأبحاث فعلية . والاهتمام بالنشاطات الجماعية من خلال فريق البحث العلمي التي تعتمد على تبادل الآراء والأفكار في حل المشكلات .و40% من عينة الأشخاص المبدعين كانوا نشروا أبحاثا وهم طلبة في مجالات تخصصهم..وبحوث تخرج طلبة الجامعات العربية أداء واجب تتداول ككرة سلة. بمرحلة المراهقة تبدأ الاستعدادات والاهتمامات بالظهور والتمايز وينبغي تشجيع الطالب على اختصاص معين على وفق ما يظهره من ميل لذلك . والغالب في المدرسة العربية جذب الانتباه لكل المواد بصورة متساوية مما يعيق ظهور الاستعداد والإبداع في مجال معين. • وكيف يمكن تصنيف أهم العوائق التي تحول دون توفر بيئة صانعة للشخصية المبدعة في الوطن العربي ¿ -الصفة الغالبة على المدارس في البلدان العربية والعراقية بشكل خاص افتقارها الكثير من مقومات الإبداع سواء في مناهجها أو طرائق تدريسها أو في أجوائها وأنظمتها العامة إلى درجة أن سيئات أو سلبيات أنظمتنا التربوية انعكست على شخصيات طلبتنا. و الأنظمة التربوية العربية جعلت من الامتحانات محور اهتمام الطلبة وأولياء أمورهم وحتى المدرسة . ونظام بهذه المواصفات لا نتوقع منه أن يخرج مبدعين بالنسب المئوية المقبولة ..و المدرسة وفق هذا النظام تشكل عائقا في نمو الإبداع وتطويره . ومن خلال الاطلاع على السير التاريخية لمشاهير تذكر بأنهم تركوا المدرسة أو تعرضوا لفشل متكرر فيها لأن مناهجها التربوية ما كانت مصاغة بشكل تتضمن تحديات مناسبة لقدراتهم: دارون اديسن بيكاسو عالم النفس أدلر جان جاك روسواميل زولا وطه حسين. أضف إلى ماسبق أن التعليم في الأنظمة التربوية العربية من الابتدائية إلى الجامعة يقوم على التلقين وحشو الذاكرة الذي ينتج بالضرورة عقلا يأخذ بالأمور كما لو كانت مسلمات دون أن يتحاور معها بفكر ناقد . وبهذا صاغ النظام التربوي العربي عقولا عودها على أن(تستقبل) لا على أن ( تحاور) . و يغيب عن إدراك متخذي القرار في العالم العربيأن البلدان التي تعمل أنظمتها التربوية على تصنيع العلم وازدهاره قد تصبح هي قائدة العالم في الألفية الثالثة . والكارثة في العالم العربي أن ما ينفق على التعليم رقم ضئيل جدا بالقياس لما ينفق في شراء الأسلحة مثلا.(بحسب المركز الروسي لمبيعات الأسلحة بلغت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى دول الخليج العربي 123 مليار دولار فيما لم ينفق ربع هذا المبلغ على التعليم علما بأن الوضع المالي للأنظمة التربوية الخليجية أفضل كثيرا من الدول العربية الأخرى. وأصعب المعوقات أمام الإبداع في أنظمتنا التربوية هي أننا لا نعمد إلى تحديث مناهجنا بالسرعة التي يتطور بها العلم ( يفصلنا عن التقدم في عدد من العلوم أكثر من ربع قرن . تحرير العقول • وكيف استطاع العالم الغربي التغلب على هذه المعضلة المتمثلة في صناعة العقول المبدعة أو تحريرها¿ – لقد تنبه علماء الغرب مبكرا لهذا الأمر وصاغوا النظريات التي حررت العقول المبدعة ففي مقالته الموسومة ” الثورة الهادفة ” أشار تورنس إلى أن الولايات المتحدة بدأت منذ مطلع الستينيات في القرن الماضي بثورة خفية في أهداف وطرائق التربية بتوظيفها نحو الحل الإبداعي للمشكلات والتعبير الإبداعي أيضا . وصار الاهتمام بالإبداع والمبدعين من أولويات الدول المتقدمة . و يشير أرنولد توينبي إلى أن الأفراد المبدعين هم المصادر الأساسية في المجتمع . ونضيف إلى قوله أن قراءة التاريخ في مجالات السياسة والنظم الاجتماعية والعلوم التطبيقية والفنون.. تجعلنا نستنتج بأن المبدعين هم الذين يغيرون العالم ومسار التاريخ أيضا بل وحتى تغيير الأنموذج الذي ننظر من خلاله إلى الكون والأشياء والطبيعة البشرية وقس على ذلك مثلا غاليلو وانشتاين وفرويد . كما يشير جيلفورد الى ” أن صياغة طريقتنا في الحياة وضمان مستقبلنا يقومان على أهم مواردنا القومية وقدراتنا الإبداعية على وجه الخصوص “. ويقول هارولد اندرسون إن الإبداع لا تكمن أهميته فقط في كونه عملية إنتاج تشهد كل لحظة ولادة جوهرة ذات قيمة عالية بل تتعداها إلى أن الإبداع صار ضرورة من ضرورات الحياة . و ينبه روبنسون إلى أن الاقتصاد وسوق العمل في القرن الواحد والعشرين يمر بتغيرات تفوق التصور تحدثها ” ثورة هادئة ” تشبه الثورة الصناعية بحجمها وتأثيرها لاسيما الإنجازات الإبداعية في مجال التكنولوجيا. كما ترعى الدول المتقدمة الإبداع والمبدعين من مرحلة الدراسة الابتدائية فيما دول العالم الثالث منشغلة بأمورها السياسية وخلافاتها العقائدية وصراعات الأخوة الأعداء وأمراضها الاجتماعية والمؤسسية وفي مقدمها الفساد المالي لاسيما في العراق الذي صار ثاني أفسد دولة عربية ورابعها في العالم !. و أخطر قضية تستهدف قتل الإبداع في أهم دولة عربية آسيوية(العراق) بتعرضه من عام 1991 إلى ظاهرة غير مسبوقة في العالم تتمثل بهجرة العقول والكفاءاتالتي ارتفعت أعدادها بعد سقوط النظام في 2003.وزادها مأساوية الاستهداف المباشر للأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعات والعلماء والأكاديميين. و يبدو وكأن الأمر مخطط لإخلاء العراق من المبدعين أذ اغتيل ثلاثين عراقيا في العشرة أيام الأخيرة من آذار/مارس 2011بمدينة بغداد وحدها! أغلبها بأسلحة كاتمة للصوت بينهم أطباء وأساتذة ومهندسون. • الإبداع أذن هو الأساس العلمي في تطور الشعوب الغربية وتخلف الواقع العربي ¿ – الأفراد المبدعون هم الذين يغيرون العالم ومسار التاريخ .وأن النظام التربوي والجامعي بشكل خاص هو المصدر الأساس لتخريج المبدعين.وأن الأنظمة التربوية العربية اعتمدت التلقين والحشو المعلوماتي وصاغت عبر قرون عقولا تستقبل لا تحاور أو تشكك.وأن الإنفاق المالي على التعليم والبحث العلمي شحيح جدا .وكما أطيح بأنظمة سياسية يقودها حكام صاروا خارج العصرفأنه ينبغي قيام ثورة تربوية تطيح بمناهج وطرائق تدريس صارت هي الأخرى خارج الزمن. معوقات الإبداع العربي • وكيف يمكن أن تعاد صياغة الواقع التعليمي والثقافي والسياسي العربي بما يكفل خروج جيل جديد من المبدعين¿ – يظن البعض أن الإبداع مسألة موهبة يرزق بها نفر من الناس دون غيرهم في تركيبة عقلية تأتي على نحو فريد أو عبر جينات تمن بها الوراثة عليهم . ويظن بعض آخر أن الإبداع يحصل عن طريق التربية والتعليم . والواقع أن كلا النظرتين ناقصتان . ذلك أن الإبداع قضية سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية ونفسية ودينية أيضا . العالم العربي ما يزالمن نصف قرن ميدان حروب واضطرابات استنزفت موارد اقتصادية هائلة نجم عنها أزمات نفسية واجتماعية وانشغال فكري في الأمور السياسية على حساب استثمار العقول الوطنية في الإبداع بميادين العلوم الإنسانية والابتكار بميادين العلوم التطبيقية . وفي العراق مثلا أودى العنف في ثلاث سنوات(2004 – 2006) بحياة 185 أستاذا جامعيا و73 طبيبا و140 من الملاكات الطبية عدا المئات من محاولات القتل والخطف لآخرين من الطاقات العلمية المبدعة اضطرت القسم الأكبر منهم إلى الهجرة ( متابعة صحيفة لغاية نيسان 2006 ) .فيما أشارت احصاءت اليونسكو(2010) إلى مقتل 500 شخصية أكاديمية وعلمية وهجرة ثلاثة آلاف عالم وباحث وأستاذ جامعي خارج العراق بعد 2003. الإبداع يزدهر إذا عمل النظام السياسي للدولة على توفير متطلبات نموه غير المشروطة بتوظيف المنجز الإبداعي لخدمة ذلك النظام إذا كان تقديمه يتعارض مع رغبة المبدع أو كان المبدع مضطرا إلى تقديمه لسد حاجة أو دفعا لشر متوقع قد يصيبه من النظام السياسي . والأنظمة السياسية في البلدان العربية لا تتمتع بالاستقرار وغالبا ما توظف المنجز الإبداعي لخدمتها. ولهذا تعد البلدان العربية أكبر مصدر للعقول المهاجرة ( أكبر مصدر لأهم ثروتين : البشرية والنفطية ! ) و ما لم تعتمد الأنظمة السياسية العربية مبدأ الديمقراطية وتعمل على تطبيقه فعلا على صعيد الواقع فأنها تبقى العائق الأول للإبداع . كما أن ثقافتنا العربية والإسلامية لا تشجع الإبداع : توكيد تراثنا على أن الخلق والإبداع من اختصاص الخالق وحده وأن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وأن الدنيا ملعونة وجيفة والأمس أحسن من اليوم والتفلسف من التخلف والإنسان مسير لا مخير والمرأة ناقصة عقل ودين. • وماهي أبرز معوقات الإبداع في المجتمعات العربية ¿ – الفهم الخاطئ للدين والميل للإتباع ومقاومة الابتداع والقيود المفروضة على حرية التعبير وإهمال المواهب الفردية وجعل الفرد في خدمة المجتمع والجمود الفكري وقراءة السلف من دون تطوير أو إبداع . وهذا كطله يعود الرواسب السلبية للثقافة العربية المعيقة للإبداع والتي من أبرز مظاهرها التشبث بالماضي والتغني بأمجاده والانصراف عن النظر في القضايا الراهنة والمستقبلية. وكذا توجيه النشء للتعايش مع مفاهيم الامتثال والتقليد والابتعاد عن المغامرة والاكتشاف والتجريب . وهذا انعكس بطبيعة الحال على جمود النظم والتشريعات العربية في مواجهة التغيرات المتسارعة في العالم القائمة على الإبداع والتميز والمبادرة .. والخلاصة هنا أن البلدان العربية متخمة بمعوقات الإبداع سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع أو المؤسسات التربوية أو الأنظمة السياسية أو الفرد نفسه . وأن أمر تذليلها يحتاج إلى وقت طويل . غير أن رياح التغيير قد بدأت وإن كانت في اتجاه منها قد بدأت بزوبعة !وان المنطقة العربية والإقليمية تعيش الآن مرحلة انعدام اليقين!.