الرئيسية - عربي ودولي - جنوب السودان .. البداية لصراعات قادمة
جنوب السودان .. البداية لصراعات قادمة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

قبل الحديث عن جنوب السودان يتبادر إلى الذهن استفسارا مفاده هل ثمة دولة حقيقية نشأت في جنوب السودان وأسفرت عن عقود من الصراع الذي دار بين الشمال والجنوب أم أن السياسة الدولية هي التي أنشأت ذلك الكيان وما هي الشروط الموضوعية والذاتية لاستمرار تلك الدولة وهل القوى الدولية مع أمن واستقرار جنوب السودان أم أن مصلحتها تقتضي تغذية الصراع وتطوير آلياته كأفضل طرق مؤدية لاستثمار النفط بمنطقة الجنوب. وبالنظر للجغرافيا السياسية للسودان بشكل عام فإن فرص وإمكانية قيام دولة هناك ضئيلة جدا خصوصا والأوضاع القائمة عبر التاريخ كانت تنشأ كيانات هلامية سرعان ما تتبدد وتتصارع في ما بينها لأن جنوب السودان بالظرف الراهن في مرحلة ما قبل سياسي يكتنفه الصراع القبلي والقوى الدولية من مصلحتها تأجيج ذلك الصراع وما حصل لم يكن استقلالا حقيقيا بقدر ما كان صدى للسياسة الدولية التي وسعت من نطاق الخلاف والصراع مع الشمال لحسابات سياسية واقتصادية وبالتالي سبل وإمكانية بقاء نظام جوبا عملية غير ممكنة لوجود توافق واضح في السياسة الدولية في تلك المنطقة لا سيما السياستين الأوروبية والأميركية فيما الصراع قائم حتى اللحظة الراهنة. وهو ما يؤكد أن الاستقلال نشأ بدعم القوى الخارجية وليس نتاجا لمطالب الجنوبيين الذين مفهومهم للاستقلال انتهى عن انفصالهم عن السودان بينما ظهر حقيقة ذلك الاستقلال غير موجود ولكن قد يصل المطالبين باستقلال جنوب السودان إلى صيغة اتفاق لاستعادة الوحدة مع الشمال المخرج الطبيعي لمنع التشظي السياسي لجنوب السودان وما يشهده حاليا من صراع قبلي واضح المعالم يتم بدعم وهيمنة القوى الإقليمية والدولية لأهمية الجنوب وما يمتلكه من ثروة نفطية وبالتالي قد تتحول النعمة إلى نقمة. خصوصا وتلك القوى لا يهمها كما أشرنا استقرار واستقلال جنوب السودان فهي لا تراعي إلا مصالحها بغض النظر عن حالة دوامة الصراع الذي هو بالتأكيد صراع قبلي أكثر مما هو سياسي مما يجعل جنوب السودان أمام خيارين لا ثالث لهما اما استئناف العمل الوحدوي مع الشمال واستعادة الوحدة الوطنية للسودان او استمرار القتال والحرب الداخلية. حيث أثبتت الوقائع والأدلة من خلال المعطيات التاريخية صعوبة قيام دولة في جنوب السودان والحل السياسي الأمثل يكمن بالحل الطبيعي المتمثل بإعطاء الجنوب حكما ذاتيا تحت إدارة وحدوية تضم كامل تراب السودان على اعتبار أن الجنوب اثنيات متعددة ولا توجد هوية وطنية متجانسة للجنوب مما يجعله إذا أنشأ كيان سياسي منفصل عن السودان عرضة سهلة للتدخلات الخارجية فضلا عن استمرار الصراعات القبلية المسلحة. وهو ما تريده السياسة الدولية التي لا يوجد في حساباتها مفهوما محددا للاستقلال فكيان جوبا كما أوضحنا نشأ من رحم تلك السياسة ولا يمتلك أي مقومات محددة للدولة ولا تصورا عمليا على الأقل لوحدة الجنوب لأن ذلك الكيان أدى إلى تجزئة المجزأ وإنقسامه وفتح مجالا واسعا للصراعات المختلفة وفيما لو عقدنا مقارنة مع الوضع في اليمن فلا توجد هنا هوية شمالية وأخرى جنوبية إنما هوية وطنية متجانسة ومشتركة مما يجعل من الانفصال مفهوما سياسيا غير قابل للتحقيق لأن الوحدة شكلت مخرجا طبيعي لأزمة الدولة في الجنوب مما يظهر صعوبة إنشاء كيان سياسي في جنوب اليمن حتى لو وجدت دعما من بعض الدول إلا أن فرص النجاح كفرص نجاح دولة جنوب السودان ضئيلة جدا لاعتبارات عديدة تتمثل بأن الوحدة الاندماجية بين الشمال لم تكن خلقا لمعدوم ولكنها تأكيدا لموجود مما يعكس ما هو حاصل لا يعبر عن كونه إلا انفعالات سياسية لا ترتقي لبناء كيانات حتى فيما يتعلق بمفهوم الأقاليم عند نقلها للواقع قد تجد صعوبة في التطبيق وبالتالي لا يوجد تشابه بين جنوب السودان وجنوب اليمن إلا العامل المغذي للصراعات والساعي إلى إنشاء الكيانات المنفصلة عن واقعها وتاريخها تلبية لأهداف وأطماع خارجية.. ومن المهم القول أنه قد يصل شراء استقلال جنوب السودان سابقا الذين أصبحوا فرقاء النزاع حاليا إلى صيغة لاتفاق ما لوقف الاقتتال في ما بينهما وذلك إما تحت الضغوط الدولية أو لجهود الوساطة أو لأي سبب كان لكن فإن أي اتفاق لن يكون إلا بمثابة مسكنات أو مهدئات أولية فقط ومن ثم تؤدي إلى انفجار الوضع فيما بعد بشكل أوسع وأشمل خاصة في ظل الثقافة القبلية أو المناطقية وإنتشار العصبيات ما يعني أن إراقة الدماء قد بدأت وأن الخلاف أو الصراع أو التباين لم تتم إدارته بالطرق الحضارية وما هو حاصل في جنوب السودان لا يعدو عن كونه بداية لصراعات قادمة لا تتوقف.