الرئيسية - عربي ودولي - تونس وتحديات استكمال المسار
تونس وتحديات استكمال المسار
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

بإقرار التونسيين للدستور وتشكيل حكومة كفاءات يكونون قد أنجزوا المهمة الأخطر على صعيد الانتقال والتحول الديمقراطي واستكمال مسار بناء المؤسسات بحسب ما نصت عليه خارطة الطريق. لكن بالرغم من هذا الإنجاز الذي حققه التونسيون وتوصلهم لدستور توافقي وتمكنهم من تخطي خلافاتهم والتي استمرت لعدة أشهر لا يعني أن ما حققوه نهاية المطاف. فالبلد المتحرر حديثا من سلطة بن علي لا يزال مثقلا بالإشكاليات السياسية والفساد المالي والإداري المستشري والخلافات المتجذرة والأزمات الاقتصادية والتي لم تفلح الحكومة السابقة – حكومات ما بعد بن علي- وبسبب كثرة الاضطرابات السياسية المشتعلة من معالجتها مما يجعل الحكومة القادمة (مهدي جمعه) أمام تحدي ومرحلة لا تقل عن السابق في استكمال خارطة الطريق. الرئيس التونسي منصف المرزوقي وأثناء استقباله لتشكيلة الحكومة المصغرة -مهدي جمعه- لتأدية اليمين الدستورية أمامه ذكر الوزراء الجدد بأنهم أمام تحد صعب وضغوطات جمة. واعتبر المرزوقي أن احتياجات الناس ومطالبهم الأمنية والاقتصادية العاجلة ستشكل التحدي الأهم للحكومة القادمة. وبحسب المراقبين يعد تنظيم انتخابات عامة حرة ونزيهة خلال الفترة القادمة- والتي يتوقع أن لاتزيد عن عام- التحدي الأهم فيما تبقى من مسار الانتقال الديمقراطي في تونس وذلك من أجل انتخاب مؤسسات دائمة للدولة وتجاوز المرحلة الانتقالية. كذلك مسألة حسم قانون الانتخابات وتنظيمها الذي لم يستكمل ولا يزال مثار خلافات بين الكتل السياسية والتي من المنتظر أن يعمل نواب المجلس التأسيسي منذ بداية الأسبوع المقبل على النظر في صياغة قانون انتخابي ينظم ترتيبات إجراء الانتخابات وخاصة طريقة الترشح للسباق الانتخابي التشريعي والرئاسي. وبالتوازي مع ذلك يواصل الأحزاب المشاركون في الحوار الوطني بحسب خارطة الطريق خلال الأيام القليلة القادمة جلوسهم حول مائدة الحوار من أجل التوصل إلى توافقات بخصوص طريقة تنظيم الانتخابات وذلك سواء بتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة كما ترغب في ذلك حركة النهضة أو فصل الانتخابات التشريعية عن الرئاسية بحسب ما تفضل غالبية الأحزاب الأخرى. كما أن اقتراب موعد الانتخابات وتحديد موعدها بحسب خارطة الطريق بعد عام سيجعل المنافسة محتدمة بين الأحزاب السياسية قبل إجراء موعد الانتخابات مما يجعل موجة المواجهات والتراشقات مستمرة. وتنص خارطة الطريق على أن تحديد تاريخ الانتخابات يكون من قبل المجلس التأسيسي بناء على تقديرات الهيئة العليا للانتخابات كما أن جلسات الحوار الوطني من المنتظر أن تساعد في التوصل إلى توافق القوى السياسية حول الموعد الانتخابي. كذلك الملف الأمني والكشف عن حوادث الاغتيالات التي حدثت خلال الفترات الماضية لشخصيات تونسية بارزة وضحايا الثورة سيكون ملفا ساخنا أمام حكومة مهدي جمعه. وفي إطار العمل ببنود خارطة الطريق التي وضعها الرباعي الراعي للحوار الوطني يتوجب على حكومة مهدي جمعه توفير المناخ الملائم للتنافس النزيه خاصة من خلال تحييد الولاة (المحافظين) ومراجعة التعيينات في كل الوظائف ذات العلاقة بالانتخابات على أساس الكفاءة والنزاهة والحيادية والوقوف بين كل الأطراف على نفس المسافة. بالإضافة إلى تلك الملفات التي ستواجهها حكومة مهدي جمعه الملف الاقتصادي لأن الاقتصاد التونسي شهد خلال السنوات الماضية تراجعا بشكل كبير وعجز الميزانية قد ارتفعت بشكل مخيف فضلا عن أن مديونية البلد والبطالة في أعلى مستوياتها . والنجاح في مجابهة هذا التحدي يعني النجاح في محاربة البطالة وإعادة نوع من الاستقرار الاجتماعي وإعادة الطمأنينة للمجتمع التونسي بعد فترة من الاضطرابات السياسية وإعادة الاضطلاع بدور انقاذ البلد من شبح الانهيار الاقتصادي. وعلى صعيد آخر فإن مراقبة عمل حكومة مهدي جمعة ومدى التزامه ببنود خارطة الطريق سيمث?ل أبرز اهتمامات الطبقة السياسية في تونس خلال الفترة المقبلة لا سيما وأن جمعة سيكون ملزما بمراجعة قانون الموازنة العامة للسنة الجارية وحل “رابطات حماية الثورة” ومراجعة التعيينات التي أقرتها الحكومتان السابقتان في مؤسسات الدولة وهي المسائل التي من المنتظر أن تثير خلافات واسعة بين القوى السياسية عند حلول آليات تنفيذها وهو ما يتوجب على حكومة مهدي جمعه مواجهتها. وتبقى التجربة التونسية محل اهتمام لبقية دول الربيع العربي حيث أنها استطاعت حتى الآن أن تتجنب كثيرا من الأخطاء والعثرات التي وقعت بها بعض مثيلاتها لهذا سيكون من المهم جدا مراقبة ومتابعة ما يجري في تونس مهد ثورات الربيع في المنطقة خصوصا أنها استطاعت عبور كثير من المنعطفات دون تدخلات إقليمية وخارجية دولية.