الرئيسية - السياسية - المعادلة المنطقية لجغرافيا اليمن جاءت من انعكاسات الوجود الاجتماعي
المعادلة المنطقية لجغرافيا اليمن جاءت من انعكاسات الوجود الاجتماعي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الفيدرالية شراكة متوازنة بين الأطراف والمركز

في ورقة عمل بعنوان (أسس تخطيط وإدارة دولة اليمن الاتحادي ) قدم الدكتور / حمود العودي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء رؤية استراتيجية حديثة تتضمن الأسس الجغرافية للنظام الاتحادي واختصاصات السلطة المركزية وكذلك اختصاصات السلطة الفيدرالية على الأقاليم وأهمية الأخذ بنظام الستة أقاليم .

في بداية البحث يقول العودي عن الأسس الجغرافية للنظام : إذا كانت الجغرافيا هي الجذر الجبري للتاريخ فإن الوجود الاجتماعي هو انعكاسها أو تعبيرها الأول بلا منازع ومن هنا جاءت المعادلة المنطقية لجغرافيا اليمن كمكان لا يتيح مصدر فائض العيش القليل إلا عندما يبذل فيه جهد بشري كبير وبتناسب طردي لا يتوقف عند حد لمزيد من الجهد والعمل مقابل مزيد من الخير الذي لا يحد أيضا وبالتالي فإن البدء بالتعرف على المكان والجغرافيا وتخطيطه كمشروع حضاري لمائة سنة قادمة على الأقل وبمعزل تام ومطلق عن أية أهواء سياسية مناطقية أو مذهبية أو قبلية أو غير ذلك مما تستهويه المشاريع الصغيرة المتخلفة لهي الخطوة الأولى والأهم على الطريق الصحيح نحو مشروع اليمن الاتحادي والدولة المدنية المنشودة مشيراٍ إلى أن توصيف وتشخيص اليمن كمكان أو جغرافيا هو من الوضوح والسهولة التي تندرج ضمن بديهيات الأمور بالنسبة لأهله وغير أهله بصفة عامة كمساحة من الأرض في جنوب غرب آسيا أو جنوب جزيرة العرب تتجاوز مساحته السياسية الحالية الخمسمائة ألف كيلومتر مربع , ولهذا يتميز الموقع بتنوع جغرافي ومناخي قلما توفر لغيره من مواقع الجغرافيا الطبيعية , بل ومن حيث التركيب الطبيعي والمناخي للمكان الأكثر تنوعاٍ وإثارة أي أن المتمعن يستطيع أن يجد في هذا الموقع اختصاراٍ أو تصغيراٍ لكل خواص ومكونات الكرة الأرضية بين دفء خط الاستواء في السهول واعتدال منطقة المرتفعات الوسطى وبرودة وانتعاش حوض البحر الأبيض المتوسط .. وهذا التنوع في المكان كما يقول العودي جعل منه موطناٍ للإنسان الأول وتطوره الحضاري وانتشاره منه, لأنه يجمع بين أهم عناصر البيئة المناسبة لوجود الإنسان ككائن (الشمس , الماء , اعتدال المناخ) وبين حافز العمل والحركة من أجل البقاء لقلة الموارد الطبيعية وصعوبة استثمارها وعدم استقرارها. اختصاصات المركزية كما تطرق العودي إلى اختصاصات السلطة المركزية للدولة الاتحادية والمتمثلة في : حق السيادة الوطنية على كافة أراضي الجمهورية اليمنية براٍ وبحراٍ وجواٍ وحمايتها من أية مخاطر خارجية أو داخلية طبقاٍ للدستور والقانون . إلى جانب القيام بمسئولية الدفاع الوطني والأمن القومي لحماية الوطن من أي عدوان أو مخاطر خارجية أو داخلية وتأمين حقوقه ومكتسباته الوطنية وحرية وكرامة أهله وهذه المسؤولية لا يختلف فيها اثنان كونها حق لا يجوز أن ينازعها فيه أي أقليم أو جماعة أو فرد مما هو مشاهد الآن من مراكز القوى العسكرية والمليشيات السياسية والطائفية والقبلية التي تنشر في كل مكان ويجب أن تختفي إلى الأبد في ظل الدولة الاتحادية اليمنية الجديدة .. ومن اختصاصات السلطة المركزية أيضاٍ القيام بكامل مسئولية العلاقات الخارجية وتمثيل اليمن في المحافل الدولية وتنسيق حقوقه ومصالحه الوطنية في ضوء المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتبادلة والمتكافئة بين الداخل والخارج .. والقيام بمسئولية إصدار التشريعات الدستورية الوطنية العامة عبر البرلمان الفيدرالي أو الاتحادي العام في مركز الدولة بدءاٍ بالدستور مروراٍ بالقوانين المنظمة لمهام ومسئوليات السلطة المركزية وانتهاءٍ بالتشريعات القضائية العامة والقوانين المنظمة للعلاقة فيما بين الأقاليم مع الاحتفاظ بحق التنفيذ للسلطات الإقليمية فيما يخصها من حق الرقابة على السلطة المركزية .. بالإضافة إلى القيام بمسئولية حماية واستثمار الموارد الاقتصادية السيادية العامة من كل ما في باطن الأرض والبر والبحر من نفط وغاز ومعادن ونحوها وما تدره المرافق القومية المشتركة من مصادر جمارك البر والبحر والمطارات والمشاريع الاستراتيجية العامة من حيث حمايتها وحسن استثمارها وإدارتها وإعادة توزيعها بين الأقاليم بالتساوي حسب عدد السكان والاحتياجات الخاصة لكل إقليم عن طريق المشاريع التنموية الاستراتيجية والمنتجة , فكل ذلك هو من صميم اختصاص ومسئولية الدولة المركزية الاتحادية والذي لا يمكن أن تضطلع به حكومة أقليمية محلية بمفردها .. إلى جانب مسؤولية التخطيط الاستراتيجي الوطني العام لمشروع نهضوي حضاري عام لمستقبل اليمن وعلى مدى المائة سنة القادمة على الأقل مقسمة إلى أربع مراحل كل مرحلة تتكون من 25 سنة , واستناداٍ إلى أحدث متغيرات العلم والمعرفة ويقين عالم اليوم والغد الأكثر ترابطاٍ وتكاملاٍ بين ما هو وطني وخارجي وما هو قومي وإقليمي وما هو مشترك عالمي وإنساني عام في قرية عالم اليوم الصغيرة الكبيرة . صلاحيات إقليمية وفي المقابل استعرض العودي اختصاصات السلطات الفيدرالية للأقاليم مثل الحقوق والصلاحيات السياسية والتشريعية المتضمنة ممارسة كامل صلاحيات السلطة المركزية من خلال برلمان محلي ومجالس محلية تعاونية ومنتخبة وحكومة إدارة محلية منتخبة من البرلمان المحلي وبما لا يتعارض والدستور الاتحادي العام والقوانين الوطنية العامة. وكذلك حقوق إعادة النظر في مجمل التشريعات المحلية الحالية أو بعضها بما يضمن وضع الحد النهائي لمساوئ المركزية في ما يتعلق بالشأن المحلي وتمكين المؤسسات الفيدرالية المحلية من ممارسة كامل حقوقها المحلية في التخطيط والتشريع والتنفيذ والاستعداد لخدمة الصالح العامة للإقليم والوطن بصفة عامة وبما لا يتعارض والدستور والقوانين الوطنية العامة. بالإضافة إلى ممارسة كامل صلاحيات الأمن والضبط القضائي وفق تشريعات محلية بما في ذلك تعيين وعزل وتدوير حركة قضاة محاكم الدرجة الأولى في المديريات والثانية في عاصمة الإقليم وجعل الثالثة من شأن المحكمة الاتحادية العليا في عاصمة الدولة وطبقاٍ لتشريع ونظام قضائي فيدرالي عام وموحد صادر عن برلمان الدولة المركزية. ولفت العودي إلى علاقة كل إقليم بأقاليم الوطن الأخرى. وذلك من خلال التزام كل إقليم من أقاليم الوطن باحترام كامل الحق الوطني المطلق لكل أبنائه وكل أبناء الأقاليم الأخرى في الوطن اليمني بكامل حقوق المواطنة المتساوية في العمل والتملك والإقامة والاستثمار وكامل الحقوق السياسية والمدنية على قدم المساواة وطبقاٍ لما تقتضيه نظم وقوانين الإقليم دون تمييز بين أبنائه وأبناء الوطن من كل الأقاليم المجاورة وغير المجاورة في ما يتعلق بكامل حقوق وواجبات المواطنة المتساوية وطبقاٍ للدستور الاتحادي والقوانين الوطنية العامة. مزايا افضل وعن مزايا الأخذ بالنظام الاتحادي فقد وضحها في مزايا الفيدرالية الاتحادية بالنسبة للسلطة المركزية ومزايا الفيدرالية الاتحادية فيما يتعلق بالأقاليم. بادئاٍ ذلك بالتعريف بميزة الاتحادية بالنسبة للسلطة المركزية وهي أن الحكومة المركزية ستتفرغ بكامل طاقتها للقضايا الاستراتيجية والبعيدة المدى بدءاٍ بحماية وتعزيز السيادة الوطنية والدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية مروراٍ بحماية واستثمار وتشغيل الموارد الاقتصادية السيادية وصولاٍ إلى التشريع والتخطيط الاستراتيجي العام بعيد المدى وانتهاءٍ بتنسيق العلاقة والمصالح المشتركة بين الأقاليم, بدلاٍ من ضياع الجهود والإمكانيات المحدودة في متاهات الشؤون اليومية للناس على امتداد الدولة والمجتمع أو من نقطة ارتكاز واحدة في سياق من الروتين والبيروقراطية والشخصنة المدمرة وفي مثل هذه الحالة ستكون أكثر احتراماٍ وتقديراٍ وديمقراطية أمام الشعب والعالم كله باعتبارها تمثل دولة مدنية متطورة وتؤمن وتطبق مبدأ العدالة الحقة في الشراكة الفعلية في السلطة والثروة . كما إن حكومة فيدرالية ديمقراطية من هذا القبيل في يمن فيدرالي ديمقراطي موحد من شأنها أن تصبح في منأى تام وإلى أبعد حد ممكن عن مظاهر الصراع والظلم والاستغلال والفساد ونزوات الهيمنة المناطقية أو الطائفية أو القبلية أو العسكرية أو العائلية المتخلفة لمنطقة ما على حساب غيرها. أما مزايا الفيدرالية الاتحادية في ما يتعلق بالأقاليم فهي تحقيق شراكة الأطراف مع المركز في السلطة والثروة والذي تتجسد من خلاله جوهر الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية والمواطنة المتساوية بأسماء معانيها بعينها وتطبيقاتها على أرض الواقع ووضع الحد شبه النهائي لمفاسد المركزية البيروقراطية ونزوات الهيمنة والاستغلال من قبل فئة أو طائفة أو قبيلة أو منطقة بعينها على حساب المجتمع بأسره والمفضية دائماٍ إلى دورات الصراع والعنف السياسي والدموي المدمر بين فترة وأخرى على مستوى المركز والأطراف. إضافة إلى أن أهم مزايا الفيدرالية بالنسبة للأقاليم تعزيز المسئولية الذاتية للناس تجاه أنفسهم حيث تتعزز روح المسئولية تجاه النفس وتتراجع ثقافة ونزعة الإشكالية على الغير التي كرستها آلية النظم المركزية والشمولية التي كثيراٍ ما تدعي لنفسها كذباٍ القدرة على عمل كل شيء من أجل الناس والناس معفيون عن العمل في عمليات نفاق ودعايات سياسية تطلقها النظم الديكتاتورية المستبدة وتزايد بها النظم الشمولية باسم الديمقراطية والشعبوية المزيفة , فالفيدرالية الإقليمية ستحرر السلطة المركزية من المسئولية التي طالما أدعت لنفسها القدرة على القيام بها وهي غير قادرة عليها من جهة وتحرر الناس في الأقاليم من الإتكالية الخاطئة على الدولة المركزية في كل شيء دون أن يحصلوا على شيء يذكر من جهة ثانية , كما يعيد النظام الفيدرالي إلى نفوس الناس روح المسئولية تجاه الذات فإن عملوا فازوا بكامل ناتج عملهم وإن لم يعملوا فمسئوليتهم تقع على أنفسهم ودون أن يحمل أي من طرفي السلطة المركزية أو الإقليمية فشله على الآخر. وأخيراٍ الفيدرالية كما يقول ليست فقط مجرد مطلب سياسي حديث للعدالة والمواطنة المتساوية أو مجرد شعار وتجربة مستوردة من الشرق أو الغرب بقدر ما هي بالنسبة لليمن تمثل الأصل الحضاري والتاريخ العميق للشراكة المتوازنة بين المركز والأطراف.