الرئيسية - اقتصاد - المفسدون فئات نخبوية تشكلت عبر عقود
المفسدون فئات نخبوية تشكلت عبر عقود
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تقرير احمد الطيار –

حين قررت هيئة تحدي الألفية تعليق أهلية حساب اليمن للاستفادة من برنامج تحدي الألفية في نوفمبر 2005م بسبب التدني في 16 معياراٍ تستخدمه هيئة تحدي الألفية لتحديد استمرار الأهلية في الهيئة قررت العديد من الدول المانحة مساعدة اليمن بإجراء دراسة عن قضايا الفساد اكبر معيق للتنمية حينها وللحكم الرشيد.

حينها كلف الدكتور جلين أي روبنسن وفريقه بالمساعدة في تشخيص الفساد ومساعدة اليمن على وضع حلول وعندها قام الفريق بجولة في اليمن لإجراء مقابلات ميدانية مع العديد من المختصين في الحكومة ورجال الأعمال والمجتمع المدني للبحث في حلول لمكافحة قضايا الفساد المستشري من بعد العام 2006م كانت المفاجأة أن اليمن لا يزال يرزح تحت منظومة من الفساد وبذلك تأكد للعالم مدى الفشل الذي يلحق بالأجهزة الرقابية ومقدار الفساد البالغ حد لايطاق . في تقرير الفريق الخاص بوكالة التنمية الأمريكية قام الخبراء بإجراء تحليل لعدد من الوثائق المحلية والدولية قبل العمل الميداني الفعلي واستفاد من تقييمات الفساد التي أجرتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في منغوليا وموزنبيق وأوكرانيا في تطوير وتنفيذ إستراتيجية تقييم مكافحة الفساد الجديدة. وظهرت المصالح القبلية في نخبة جديدة من رجال الأعمال فبالمقارنة مع نخبة رجال الأعمال التقليدية تعتمد نخبة رجال الأعمال المتطفلة بشكل كلي على العقود الرسمية في أعمالها التجارية ولذلك حصدت هذه النخبة أرباحاٍ ضخمة من النظام غير الشفاف لمنح العقود الرسمية ومن الابتزاز المستأصل في علمية المشتريات . ويأخذ دعم المصالح للقبائل البارزة عدة أشكال فأكثر الطرق مباشرة عن طريق تحديد دعم للقبائل في الموازنة العامة للدولة حيث ترفض الحكومة اليمنية اعتبار هذه الهبات فسادا بحد ذاته واعتبرته دعماٍ للتركيبة الاجتماعية التقليدية في اليمن . ومن الطرق الأخرى لدعم القبائل الأجور التي تسلمها السلطة لموظفي الأمن التابعين لشيوخ القبائل عبر وزارة الإدارة المحلية والتي من المفترض أن تراقب الحكومة المحلية كما تستفيد القبائل من توزيع المصالح للجيش وتكوين طبقة برجوازية متطفلة . مجتمع رجال الأعمال التقليدي غير القبلي والذين كان لهم دور بارز في الاقتصاد السياسي الجديد .لكن ركودهم النسبي ونظرتهم المتشائمة لمستقبل اليمن دفع بعض رجال الأعمال لمغادرة البلاد. هذا بالإضافة إلى نمو طبقة برجوازية قبلية متطفلة في السنوات الأخيرة تحصل على دخلها بشكل عملي من العقود الرسمية التي تحصل في الغالب في ظل ظروف فاسدة. وتشمل النخب غير الضرورية والتي يمكن الاستغناء عنها على طبقة التكنوقراطيين والتي تعد ضرورية لإدارة الدولة بطريقة نسبيا وعلى النخب المحلية التي تتمتع منزلة عالية ضمن الدوائر الانتخابية المحلية الهامة . وللسلطة قدرة كبيرة في تعزيز مكانة ورقي الأفراد المصنفين ضمن هذه النخبة أو تحجيمهم والحط من آليات الفساد. هناك أربع آليات أساسية يتم من خلالها توزيع المصالح الكبيرة في اليمن وتعتبر الموازنة العامة احد هذه الآليات فتحتوي الموازنة العامة على مخصصات مستقلة للجماعات المفضلة مثل القبائل ولا يتمتع البرلمان بسلطة رقابة هادفة للموازنة حيث انه وفي كافة الأحوال ليس له من الأمر إلا التصويت لصالح أو ضد الموازنة. أما الآليات الأخرى الأساسية الأخرى لتوزيع المصالح فهي نظام المناقصات ومسئولين حكوميين وتتم المناقصات وفي الغالب دون عروض تنافسية مفتوحة وقليل من الشفافية والمساءلة فمن الممكن أن تصبح عملية العطاءات طريقة سهلة لمكافأة الحلفاء المفضلين وعن طريق منحهم عقود. القطاع الخاص يواجه القطاع الخاص مصادر متعددة من الفساد الرسمي حيث يتوجب على الشركات تكييف الأعمال التجارية للتعامل مع الفساد المتفشي أو مغادرة السوق ويشير التقرير إلى أن تطبيق القوانين التجارية وعلى وجه الخصوص وضع القانون موضع التنفيذ غير كاف حيث يبدو أنه تم إصدار القوانين التجارية على عجالة في فترة الوحدة حيث تم احتسابها من القوانين الأقسى والأكثر تعقيدا في البلدان الأخرى . وعندما يقوم رجال الأعمال بمقاضاة الحكومة يجد القطاع الخاص تحيزا قضائيا قويا في صالح الحكومة وتخلق أنظمة الضرائب والجمارك الفساد والنظرة السيئة للقطاع الخاص تجاه الحكومة . الفساد الكبير في اليمن لا يعتبر الفساد الكبير ظاهرة عرضية في اليمن ولكنه الصمغ الذي يبقي الوضع كما هو عليه إذ يتم مكافأة النخب المنقسمة بأشكال وطرق بغض النظر عن الحصول على دعمهم السياسي وحيث أن هياكل الدولة اليمنية ضعيفة جدا فقد أصبح توزيع المصالح للنخب المتفاوتة أكثر الطرق فاعلية للسيطرة الاجتماعية عوضاٍ عن الإجراءات المؤسسية وكجزء من حلقة مفرغة زاد نظام توزيع المصالح هذا من إضعاف المؤسسات الرسمية وجعل بناء الدولة أمر في غاية الصعوبة ولا يعتبر الفساد معضلة انتقالية حتى تحل مؤسسات الدولة محل نظام المصالح كآلية لتنفيذ الأعمال. تكلفة تلحق تركيبة الفساد الاقتصادي والسياسي في اليمن بضرر كبير بالبلاد فهناك مجموعة من المؤشرات تدل على هذا التوجه فأولا تراجع عدد المناحين عن دعم اليمن بسبب الفساد كما أن رؤوس الأموال المغادرة لليمن تتجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر في اليمن وادى فقدان المستثمرين للثقة باليمن بسبب الفساد الى مغادرتهم للسوق اليمنية . ويلعب النفط دوراٍ رئيسياٍ في كل توجه النخب للتورط في سلوك الفساد وفي عدم قدرة تركيبة الفساد الاقتصادي والسياسي في اليمن في الاستمرار لأجل غير مسمى ويمثل النفط ما بين 80-90 % من إيرادات السلطة في اليمن ويعتمد على سعر السوق ووفر ارتفاع أسعار النفط عائدات هائلة للسلطة تنهبها النخب ولكن كميات النفط الموجود في اليمن محدودة والاحتياطي قليل . وهكذا للنخب اليمنية والتي تعمل بعقلانية استراتيجيتان منطقيتان باستطاعتهم اتباعهما للحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح فالاستراتيجية الأولى استراتيجية تنوير للمصلحة الشخصية (مصطلح يشير إلى أن من يعملون من أجل مصلحة الجماعة يخدمون أنفسهم أيضاٍ في النهاية) والتي تفرض على النخب تكبير حجم الكعكة بزيادة إجمالي الناتج المحلي وجعلها مستديمة وبهذه الطريقة سيؤدي الفساد وإن كان ذو نسبة صغيرة في إيرادات الحكومة إلى غنيمة كبيرة ومستديمة لهذه النخبة . ويؤكد التقرير أن الاستراتيجية العقلانية الثانية للنخب في زيادة نهب الموارد العامة (بشكل كبير من النفط) خلال العقد القادم وضمان جاهزية استراتيجية خروج حالما تستنفذ الخزانة العامة وفي ظل هذا المشهد تظل مؤسسات الدولة ضعيفة والفساد الكبير منتشر والتوترات الاجتماعية في تنامي وكون هذه الاستراتيجية تمثل الطريق الأقل مقاومة ستكون على الأرجح هي الطريق وهناك استراتيجيات تحكي قصص خروج نخب قيد الجاهزية. الفساد الثانوي يلقي التقرير بالضوء على الرشوة لموظفي الدولة باعتبارها ترتبط بمنطق الفوز بعقود مشتريات صغيرة ولتقليص المنافسة مع الآخرين ويأتي توظيف الموظفين الوهميين في الوزارات الرسمية في المرتبة الثانية ويمكن استخدام العمال الوهميين على مستوى واسع وضخم كجزء من فساد النخبة ولذلك فهي طريقة لربط الفساد الأدنى والأعلى ففي الظرف الأدنى تجد بالتحديد شيخاٍ قبلياٍ أو أحد الوجهاء المحليين يطلب أن يضم اسم فتى أو فتاة في كشوفات المرتبات ولا يتوجب على ذلك الفتى أو الفتاة الحضور للعمل إنما فقط ليستلم الراتب. تشخيص شخص التقرير الفساد في اليمن أنه عبارة عن عصابات متوازنة فالدولة التي لها مؤسسات رسمية ضعيفة ولها نفوذ بسيط لفرض السيطرة الاجتماعية حيث يوجد هناك انقسامات كبيرة وراسخة على مستويات مختلفة دينية وعرقية وقبلية والتي تسمح بظهور قوى محتملة مضادة للنخب ولكن دون أن يكون هناك سيطرة من المؤسسات الرسمية عليها. وتحصل الدولة على الاستقرار عن طريق شراء هذه النخب المختلفة وإعطائهم حصص من موارد البلاد ويكون الفساد نظامياٍ طالما يتم استخدامه لشراء السيطرة السياسية ولا يوجد هناك حافز لأنها هذا الفساد الضخم لأن ذلك قد يعني انهيار الدولة ولهذا تتعثر الإصلاحات وإذا أخذت حلقات الفساد بعين الاعتبار ستندرج اليمن ضمن الحلقة الرابعة العصابات المتوازنة.