الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - كــتب - في كتابه “أقوال النور”..الصكر يقدم قراءة مغايرة في فن الحرب
في كتابه “أقوال النور”..الصكر يقدم قراءة مغايرة في فن الحرب
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

في كتابه “أقوال النور-قراءات بصرية في التشكيل المعاصر” الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة يقدم الدكتور حاتم الصكر رؤيته في الكثير من المسائل المتعلقة بالفن التشكيلي المعاصر من خلال الاقتراب من عوالم الفن التشكيلي العربي والمشتغلين به وقد تضمن كتاب الصكر العديد من المواضيع غير أن المبحث الأول في الكتاب والذي جاء تحت عنوان ” الفن والحرب: تمثيلات مارس الحرب كواقعة فنية في النصوص التشكيلية” يعد أبرز ما تضمنه الكتاب نظراٍ لأهمية القضية التي يتطرق لها

واقعة فنية: في (تمثيلات مارس..الحرب كواقعة فنية في النصوص التشكيلية) يسرد الدكتور حاتم الصكر قصة تتحدث عن أثر لوحة (الجورنيكا) لبيكاسو والتي تعد أشهر أعمال بيكاسو وأشهر الأعمال الفنية التي رصدت بشاعة الحرب والقصة كما يسردها الصكر ترتكز حول السؤال (من الذي (فعل) الجورنيكا¿):” يسأل جنرال فاشي بيكاسو بعد أن رأى جدارية جورنيكا بفظاعة تمثيلها لمحرقة سوق القرية الأسبانية التي دكتها الطائرات في الحرب الأهلية :هل أنت الذي عمل جورنيكا¿ يجيب بيكاسو: بل أنتم. السؤال عن العائدية يحمل الاتهام للفاعل الحقيقي لمجزرة الواقع تحريفاٍ لسؤال الجنرال عن مجزرة الفن”. ويعلق الدكتور الصكر على تلك القصة بالقول:”الفاعل الحقيقي يسأل الفاعل الفني وهذا يحيل بدوره إلى المرجع أو المحركº فلا عمل فني لولا وجود تلك المجزرة في الواقع..لقد جرى تمثيل فني للكارثة وتحولت سوق القرية المحترقة إلى واقعة فنية قد لا يجد فيها أحد من الشهود مفردات حِرفية لكن الإحساس بالبشاعة والتقزز والألم سيظل يصاحب كل مطالعة بصرية تالية”.

تمثيل بصري للحرب: وعن التمثيل البصري للحرب يضيف الدكتور حاتم الصكر:” يبدو تمثال مارس إله الحرب لدى الرومان واليونان مدرعاٍ من رأسه حتى ساقيهلا وجه ولا ملامح واضحة – بعكس الآلهة الآخرين – ترميزاٍ لعمومية مهنته وشمول وجوده لقتلة عديدين سيرثونه الدروع لا يراد منها حماية جسده فهو – بحسب الميثولوجيا السائدة زمن إنجاز تمثاله – يهب القوة للمحاربين ويلهمهم طرق القضاء على أعدائهم لكنه يصوِر بهذه الهيئة الدرعية لإخافة الآخر المشرع للموت دوماٍ. في الكهوف التي حفظت رسوم الإنسان الأول يحدث الشيء نفسه الإنسان يسيطر على الحيوان ليصطاده بمبدأ الاسم المهيمن على تفكيره.. الشيء عنده هو صورته لذا يرسم على جدران الكهوف أجساد الحيوانات يخترقها دوماٍ رمح أو سهم ولا يغفل في فترات متقدمة لاحقة أن يصور رد فعل الحيوان ذاته اللبوة الجريحة مثلاٍ في الجداريات الرافدينية: إن السهام تملأ جسدها لكنها تصرخ واقفة ولا تسقط يستطيل جسدها فيصبح خطأ المنظور والأبعاد طولاٍ مضافاٍ لحضورها زاحفةٍ إلى الأمام رغم الموت القادمإنها تستمد قوة مقاومتها وتعبر بصرختها عن تشبثها بالحياة. وعن الصدى البصري الذي أحدثته الحرب يقول الدكتور حاتم الصكر:” لقد عملت الحروب – لا سيما الحربان العالميتان في النصف الأول من القرن العشرين – على إحداث عثرات فـي حركة الفن الأوربي بسبب اشتراك بعض الفنانين مباشرة فيها أو لتأثرهم الحاد بصور المعاناة البشرية لكن ذلك لا يجب أن ينسينا الجانب الأسلوبي والشعوري الذي تغير بفعل تلك الحروب وظهور موجات وتجمعات لم يمنع طابعها الاحتجاجي من بروز نزعة التحديث فيهاº بل كان سبباٍ قوياٍ لجنوحها نحو التحديث فكانت الدادائية والسوريالية والتكعيبية والتأثرية التعبيرية محاولات لتمثيل حدث الحرب ونتائجه في الضمير والمصير الإنساني وتفاوت التعبير بين الترميز البليغ-صرخة مونش مثلاٍ – باختزالها للهم الإنساني والعذاب الفردي وصرخة بيكون المقموعة بزاوية الفم – أو بتمثيل وقائع عريضة ومدوية كمجزرة جورنيكا التي صاغها بيكاسو بالأبيض والأسود واستخدم المأثور الأسباني – الثور لنقل هول الفاجعة”. وفي هذا السياق يقدم الدكتور الصكر عدداٍ من الأمثلة حيث يقول:” لقد تمثل جويا قبل ذلك حروب أسبانيا واضطراباتها ببشاعتها ودمارها عبر اتجاهين: أسطوري حين رسم لوحته (زحل يلتهم أبناءه) مهيمناٍ عليها السواد والخراب والخوف والإثارة ثم بسلسلة رسومه كوارث الحرب لا سيما لوحة القتال بالهراوات التي تمثل الصراع الهمجي بين الأخوة والدم يغرق أحدهما بينما التصقت أرجلهما بالمستنقع الذي صنعته الدماء وحال بينهما وبين الهرب والنجاةº فاستمد موضوعاته من التاريخ القريب ووقائعه القائمة ومن التاريخ الميثولوجي الرامز لشهية الموت. كان زحل يلتهم بعنف أبناده – الموكل إليهم بحسب الأسطورة – أمور السماء والماء والموت ويجسد بشاعة العمل الذي يقوم به وهو موضوع تناوله رسامون آخرون أيضاٍ. ويعمل ديلاكروا على تجسيد بشاعة الحرب عبر تصوير جانب من المجازر التي حصلت في جزيرة ساكس اليونانية في حربها مع الأتراكº .وتمادى في تكثيف جو المذبحة والقتل لأهالي الجزيرة حتى قال عنها بعض النقاد إنها مذبحة الفن. كان بيكاسو وهو يرصد مصير جورنيكا الدموي يزج بالثيران والخيول الميتة تعبيراٍ عن الألمº وتدل الاسكيتشات الأولية العديدة التي نفذها استعداداٍ للعمل الجداري الخالد على مدى انفعاله وتأثره وتوتره (فالرغبات العنيفة – كما يقول منظرو جماليات الفن – تعبير عن معرفة العالم بكل تعقيداته حيث لا ننتظر تقنية هادئة مستوية متوازنة وصقيلة) وهو ما جعل بيكاسو يترك العمل لمصيره الدلالي بالأسود والأبيضº فالثور يرمز للقصف الوحشي والعنف حيث دمرت طائرا ت ألمانية سوق قرية جورنيكا الأسبانية فـي الباسك فـي أبريل 1937 مزاوجاٍ بين الثيران والخيول القتيلة وصرخات النسوة من النوافذ. وكان سلفادور دالي قد استبق الحرب بلوحته الشهيرة (نذير الحرب الأهلية) والتي يتساوق جوها مع لوحات أخرى يظهر فيها ما يدعوه جبرا إبراهيم جبرا (المحتوى الأدبي لا التشكيلي الصرف) رغم بشاعة ما يصوره والتشريح الواضح في وجه العجوز الفزعة واستنادها إلى عظام منخورة طويلة فـي عراء ممتد بلا أفق”.

دماء وألوان: ويفرد الدكتور حاتم الصكر مساحة من دراسته للحديث عن انعكاسات جريمة ملجأ العامرية التي أقدمت عليها القوات الأمريكية على الفن التشكيلي العراقي إضافة إلى جريمة سجن أبو غريب التي يقول أن الصور الفوتوغرافية كانت ذات وقع استباقي فيها فكان العجز الفني بسبب ذلك الوقع المدوي للصور لا بسبب التعجيز الذي تنطوي عليه الواقعة الخارجية (واقعة التعذيب المفرط الوحشية للسجناء والمحتجزين وإشراك الكلاب في ترويعهم ونهش أبدانهم والسخرية منهم وتعليقهم عراة بطرق مهينة وتصويرهم مع الجلادين وسحبهم على أرضيات جرداء في البرد دون ثياب وتكديسهم فوق بعضهم معصوبي الأعين وربط أعضاء من أجسادهم بآلات كهربائية) وسوى ذلك مما عرضته – ويا للمفارقة – كاميرات شخصية استخدمها الجلادون من المجندين والمجندات في جيش الاحتلال الأمريكي وعرضوها في حمى صفاقتهم واستعراضهم والتبجح بالهيمنة على عْزِل مأسورين.وقد انعكست بشاعة تلك الجريمة من خلال لأعمال التي هزت الأوساط الفنية في العالم والتي قدمها الرسام الكولومبي «فرناندو بوتيرو» وتضم عشرات اللوحات من وحي فضيحة تعذيب السجناء والأسرى والمحتجزين المدنيين العراقيين في أبو غريب”.