الرئيسية - تحقيقات - بداية العزلة الاجتماعية
بداية العزلة الاجتماعية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

> أكاديميون:الإعلام زاد الطين بلة وغياب الأنشطة المدرسية وصعوبة المنهج والسلوك السلبي لبعض المعلمين عمق المشكلة

> جهل معظم الأسر بالتكنولوجيا وانشغال بعض الآباء بمجالس القات والأمهات بالمسلسلات قضى على دور الأسرة التربوي

> وزارة التربية: الإذاعة المدرسية وسلوك المعلمين كفيل بالحد من مخاطر وسائل الاتصال الحديثة

● وقع الفأس في الرأس ولا عزاء للمفجوعين بمجتمع أصبح أغلبه يعيش في العالم الافتراضي بإدمان كل فئاته من أطفال وشباب وفتيات وأمهات وآباء على سلبيات الانترنت والمسلسلات الفضائية بعد أن وصلت بعض الأسر إلى ضفاف الطلاق وفتيات إلى حافة الانهيار الأخلاقي وشباب تعرضوا لعمليات “الطرق والسحب” الطائفية والحزبية والمذهبية وتعرض المجتمع ككل إلى المشاكل الأسرية والاجتماعية والأخلاقية.. في هذه (الحلقة الثانية والأخيرة) من هذا التحقيق سنقوم ـ بمعية أكاديميين ومثقفين وإعلاميين ومسؤولين وتربويين وأولياء أمور وطلاب ـ بالبحث عن الأسباب فمسيرة الألف كبوة تبدأ بهفوة … إلى التفاصيل:

قبل أن تنتشر تلك الوسائل في المجتمع كانت المنظومة التربوية ـ وهي الأسرة والمدرسة والمجتمع ـ تقوم بعملها على أكمل وجه وبالتالي كانت إيجابيات المجتمع تطغى على سلبياته غير أن تلك المنظومة لم تعد سوى ديكور فالأسرة اقتصر عملها على توفير الحاجات المادية كالغذاء والمسكن والملبس أما المدرسة فقد تخلت تماماٍ عن ما يسمى بالتربية رغم أن شعارها “التربية قبل التعليم” واكتفت بتلقين الطلبة بعض المسائل الحسابية والفيزيائية “وياليتهم تعلموها مثل طلبة العالم” أما المجتمع كونه من مخرجات الأسرة والمدرسة فهو يمارس ما تعلمه لذا كان من الطبيعي أن تلجأ الأجيال إلى الانترنت والفضائيات والهواتف الذكية لإشباع حاجاتهم التربوية والمعنوية غير أنهم أخطأوا في تصويب الهدف. بداية الهفوة الأسرة هي اللبنة الأولى في تأسيس وبناء جيل محمي من أي “تسونامي” قد يدمره غير أن أغلب الأسر اليمنية تعيش أزمة في المحركات التربوية والسبب ــ كما هو في الصورة التالية ـ الآباء الذين يعيشون روتيناٍ يومياٍ تقريباٍ مشغولون بمضغ القات والأمهات بمعية بناتهن أمام التلفاز يترقبن بصبر وجلد المسلسلات التي لا تنتهي فيما الأبناء مشغولون بمهام أخرى تتنوع بين ممارسة الألعاب والانخراط مع شباب كان لهم السبق في الانحراف وأشياء أخرى. محمد عبدالغني رب أسرة مكونة من خمسة أبناء وثلاث بنات أكبرهم في الثانية والعشرين من عمره يبدي أسفه على الحال الذي وصل إليه أبناؤنا وبناتنا من انحطاط أخلاقي غير معهود محمد ليس لديه أية وسيلة تربوية يتعامل بها مع أبنائه وبناته ويبرر ذلك بالفجوة العلمية والتكنولوجية التي بينه وبينهم فهو لا يعلم ما هو الانترنت ولا ما هي أضراره أيضاٍ يجهل الرجل الأهداف التي ترمي إليها المسلسلات والأفلام والتي لا تكاد تنفك زوجته وبناته من مشاهدتها -حد تعبيره-. أما خالد العزي من المخضرمين تكنولوجياٍ حيث عاش حياة التكنولوجيا قبل انتشارها بشكل واسع ويعيش حالياٍ في ظلها ويمارس بعض تقنياتها هذا الرجل يدرك تماماٍ مخاطر تلك الوسائل إلا أنه لم يبادر في حماية ابنته البالغة من العمر 15 سنة والسبب -كما يقول- إنه مشغول جداٍ بعمله أثناء النهار ويتخذ الليل للراحة والمقيل مع بعض زملائه .. فيما زوجته التي لا تعرف مخاطر وسائل الاتصال الحديث على سلوك ابنتها تقوم بواجب الحفاظ على ابنتها من الخروج إلى الشوارع وأعطتها عوضاٍ عن ذلك هاتفاٍ مطوراٍ لتصفح الانترنت وممارسة الألعاب وبذلك تكون هذه الأم قد قدمت السم لابنتها على طبق من ذهب. الواقع العقيم الدكتور فضل أحمد ناصر -وكيل قطاع التعليم بوزارة التربية والتعليم- شرح لنا الوضع الطبيعي والمفروض الذي ينبغي أن تقوم به المدرسة في تنشئة الأجيال فهي الحلقة الثانية من منظومة التنشئة الاجتماعية –حد تعبيره- ومن خلالها يتعلم الأجيال القيم والمبادئ والثوابت التربوية والأخلاقية وأسس التنشئة الاجتماعية ويعكسونها على محيطهم الاجتماعي الأمر الذي يساعد على خلق مجتمع راقُ واعُ يبني بإحدى يديه مستقبله وبالأخرى يدافع عنه من المخاطر المحدقة به -حسب وصفه-. كما تحدث ناصر عن دور الوزارة في غرس تلك القيم والحفاظ على الأجيال من خطر الوقوع في سلبيات تكنولوجيا العصر حيث قال: “بما أن التربية تحتل مكانها الطبيعي وهو ما قبل التعليم فإن وزارة التربية والتعليم أولت هذا الجانب اهتماماٍ بالغاٍ حرصاٍ منها على الأجيال وخوفاٍ من انحرافهم أو اللهث وراء تلك الوسائط التربوية والتي غالباٍ ما يخطئ الكثير في استخدامها” ويضيف: “لعل الإذاعة المدرسية أبرز البرامج التربوية في المدرسة كذلك نحن حريصون على أن يكون المعلم هو مرآة أمام طلابه يعكس فيهم كل القيم التربوية ويحذرهم من السلبيات التي تحدق بهم كالاستخدام الخاطئ لوسائل العصر التكنولوجية كالانترنت والفضائيات والهواتف الذكية”. صعوبات مالية ما تحدث عنه الوكيل نفاه مدير عام الأنشطة المدرسية أحمد سعيد بطريقة غير مباشرة حين قال: “لا يخفى على أحد الدور الذي يمكن أن تلعبه الأنشطة المدرسية في الحد من سلبيات وسائل الاتصال الحديث على سلوك وتعامل أجيالنا كالمسرح والإنشاد والمسابقات الثقافية والرياضية وتشجيع المبدعين غير أن الصعوبات المالية التي تواجهها إدارة الأنشطة المدرسية بالوزارة عملت على إضعاف دورنا لإنجاز هذه الأنشطة, وبالتالي لجأ الكثير من الطلبة إلى البدائل التربوية كالانترنت والفضائيات واستخدموها بشكل خاطئ”. باحثون وتربويون وأخصائيون اجتماعيون أجمعوا على أن المدرسة في الوقت الحالي تقوم بدور “صب الزيت على النار” .. فمن خلال بعض الممارسات السلوكية الخاطئة لبعض المعلمين رسم الكثير من الطلبة طريق حياتهم المنحرفة.. وقال الأخصائي الاجتماعي جلال الصبري: إن كل ما في هذه المدارس هو حصة أولى “طابور” أشبه بطابور العسكر ثم حصص دراسية قد يحضر الأستاذ وقد يغيب بل إن بعضهم يتعامل مع طلابه بطريقة غير لائقة وكان الأحرى بالمدرسة أن تقوم بدور محوري في تقويم سلوك المجتمع خصوصاٍ وأن حوالي نصف الأسر تعاني من الأمية وبالتالي ليس بمقدورها تقديم أي دور تربوي لأبنائها الذين رمى بهم الزمن إلى أحضان وسائل تواصل جديدة لم تكن أسرهم تعرفها من قبل. حوار من نوع آخر موقف واحد وحوار بسيط بين معلم وطالبين من طلابه جسد الدور التربوي الذي تقوم به المدرسة هذا الموقف والحوار يرويه لنا الطالب أسامة علي في الصف الثالث الثانوي حيث قال ” متى ما سنحت الفرصة في الفصل الدراسي بالذات عندما يتأخر الأستاذ ينشغل الكثير من الطلبة بتصفح الفيسبوك والواتس آب والبعض يقوم بتصفح مواقع أخرى عن طريق هواتفهم المطورة وفي إحدى الحصص الدراسية كان هناك طالبان يتحدثان إلى بعضهما أثناء الحصة فما كان من الأستاذ إلا أن قام يسب ويلعن ويوبخ من يتكلم الأمر الذي أغضب الطالبين وأخذا يردان عليه بنفس الطريقة”!! المسمار الأخير الدكتور عصام الجوبعي -عميد كلية الإعلام بالجامعة اليمنية ورئيس قسم النشر والتوثيق بمركز التطوير التربوي- أبدى استياءه الشديد من الوضع المزري الذي يمر به الجيل الحالي ففي الوقت الذي تزداد فيه خطورة الاستخدام الخاطئ لوسائل الاتصال الحديثة كالانترنت والفضائيات يزداد إهمال المدرسة والأسرة للأجيال فلا السلوكيات التي يمارسها القدوة في المدرسة مقبولة ولا المنهج يعالج الأمر .. والأسرة في خبر كان. وأضاف الجوبعي قائلاٍ: “لم تتوقف المأساة عند إهمال الأسرة والمدرسة فالمجتمع بسلوكياته وتجلياته وإعلامه يعمل على دق المسمار الأخير في نعش التنشئة الاجتماعية ويضاعف من مأساة الممارسة الخاطئة لوسائل الاتصال الحديثة فمثلاٍ بعض الأسر المثقفة تقوم بتنشئة أبنائها بشكل صحيح غير أنهم يفاجأون بأبنائهم وقد تقمصوا سلوكيات خاطئة اكتسبوها من المجتمع. وعن السبب الرئيسي الذي جعل المجتمع رهن تأثير وسائل الاتصال الحديثة يقول: “هناك عوامل كثيرة لكن أهمها النشاط الذي تمارسه وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية والتي صبت جل اهتمامها في الجانب السياسي ولم تحدد ولو جزءاٍ يسيراٍ من مهامها في نشر الوعي بخطورة الاستخدام الخاطئ للانترنت والفضائيات والوسائل الأخرى. مشيراٍ إلى أن الحل يكمن في تعديل السياسة الإعلامية بما يخدم التنشئة الاجتماعية لأجيالنا. آخر الكلام إذا كانت الأسر التي يعول عليها تنشئة جيل يواكب عصر العولمة خالُ من سلبيات وسائلها قد انغمست هي ذاتها في تلك السلبيات وإذا كانت المدرسة قد تخلت عن مهامها التربوية وأصبحت غير قادرة على السيطرة وإذا كان إعلامنا يغرد خارج السرب فإننا بالفعل نسير بخطىٍ واثقة في الطريق إلى الهاوية لذا فإن على الأسرة والمدرسة والمجتمع أن يعيدوا النظر في الموضوع لعل وعسى.