الرئيسية - اقتصاد - الإدارة الحكومية اليوم هي نفسها التي كانت سائدة في 1999م
الإدارة الحكومية اليوم هي نفسها التي كانت سائدة في 1999م
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

مضى أكثر من 14عاما ونحن نتحدث عن الإصلاح الإداري ومشروع تحديث الخدمة المدنية وتنظيف كشف الراتب من الموظفين الوهميين والمزدوجين لكن لم يتم من ذلك شيء حتى يومنا هذا فكانت النتيجة جهازا إداريا حكوميا يعاني العديد من المشكلاتþ والتشوهات على رأسها التضخم في عدد العاملينþ,þ وسوء توزيعهم وضعف الإنتاجيةþ.

يشكل التضخم الوظيفي أحد الاختلالات البارزة للجهاز الإداري للدولة وكذلك في الجهازين العسكري والأمني وهو ما دفع الحكومة آنذاك تحت ضغوط المانحين في إجراء أول مسح لموظفي الدولة في العام 1998م وفي العام 2004م قامت وحدات الجهاز الإداري للدولة والقطاعين العام والمختلط بجمع البيانات عن القوى العاملة والتي أظهرت أن إجمالي الموظفين يصل إلى 463 ألف موظف 91% منهم يمارسون أعمالهم ويتوزع الباقون بين موظفين بدون مهام (3.6%) ومنقطعين عن عمل (0.3%) ومنظمات جماهيرية وحالات مرضية وأخرى (5.1%) قبل أن يرتفع الرقم إلى 550ألف موظف حتى العام 2013م.

البصمة والصورة لمواجهة هذه المشكلة رأت الحكومة تبني نظام البطاقة الوظيفية الممغنطة وفق البصمة والصورة البيولوجية حيث وافق مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 182 لعام 2003 على إرساء مناقصة مشروع توريد وتركـيب هذا النظام على إحدى الشركات الألمانية. وكان يتوقع البدء بتنفيذ هذا النظام خلال عام 2004 خاصة بعد صدور القرار الجمهوري رقم (1) لسنة 2004 بشأن البطاقة الوظيفية إلا أن بدء تنفيذ هذا النظام تأخر إلى نهاية شهر مايو 2006م واستمر تنفيذه حتى العام 2014م دون مؤشرات حقيقية على انتهاء المشروع حتى الآن.

تحديث الخدمة المدنية مبادرات الإصلاح الإداري التي تمت في إطار برنامج الإصلاحات الهيكلية في اليمن تمت اختصارها بصورة أساسية في كل من استراتيجية تحديث الخدمــــــة المدنيـــــة والتي صدر بها القرار الجمهوري بالقانون رقم (290) لسنة 1998م بعد عرضهــــــا على المؤتمر الوطني للإصلاح والتطوير الإداري .وكذلك مشروع تحديث الخدمة المدنية والذي صدر به القانون رقـم29 لسنـة 2000م بالموافقـــة على قرض هذا المشروع. ونظراٍ لعدم توفير التمويل المالي لتنفيذ مكونات هذه الاستراتيجية أصبح مشروع تحديث الخدمة المدنية المشروع الأهم في هذا الإطار حيث قام البنك الدولي بإعداده وتمويله بقرض منه بمبلغ ثلاثين مليون دولار بالإضافة إلى مبلغ 6 ملايين يورو منحة من الاتحاد الأوروبي و 4.5 مليون يورو منحة من الحكومة الهولندية و3 ملايين دولار مساهمة الحكومة اليمنية. وفي عام 2008 تم تقديم تمويل إضافي بمبلغ 14 مليون دولار من البنك الدولي لاستكمال مكونات وعناصر المشروع. لذلك شكل مشروع تحديث الخدمة المدنية المرتكز الأساسي والمحور الأهم إن لم يكن الوحيد للإصلاح الإداري في اليمن خلال هذه الفترة بحيث تم اختزال هذا الإصلاح في هذا المشروع.

أهداف تمثلت أهداف مشروع تحديث الخدمة المدنية خلال الفترة 2001-2010م فيº تطوير وتحديث البناء الهيكلي والمؤسسي للجهاز الإداري للدولة وفق التحديد المسبق لوظيفة ودور الدولة وكذا تحديث وتطوير كل من نظامي إدارة الموارد البشرية وإدارة معلومات موظفي الدولة ونظام المعلومات الإدارية المالية والمحاسبية AFMIS إلى جانب ترشيد سياسة التوظيف في الجهاز الإداري للدولة بم يساهم في ترشيد حجم القوى العاملة وأخيراٍ بناء القدرة المؤسسية وإدارة التغيير. ولذلك تمثلت المكونات الأصلية للمشروع في تحسين الأنظمة الأساسية ترشيد حجم وقدرات الموظفين ترشيد وعقلنة الخدمة المدنية إعادة البناء والهيكلة لوحدات حكومية مختارة وبناء القدرات كما شهدت الفترة 2001-2005 تباطؤ خطوات تنفيذ مشروع تحديث الخدمة المدنية بحيث يمكن شهد العام 2005 بداية التحرك نسبياٍ في تنفيذ العديد من مكوناته مثل البدء في عملية إعادة البناء والهيكلة في معظم الوحدات السبع الإرشادية وكذلك بدء خطوات صياغة وإعداد استراتيجية إصلاح إدارة المالية العامة وكان يتوقع البدء بتشغيل تطبيق نظام البطاقة الوظيفية بالبصمة والصورة خلال عام 2004خاصة بعد صدور القرار الجمهوري رقم (1) لسنة 2004 بشأن البطاقة الوظيفية 2004 إلا أن ذلك تأخر حتى بدأت وزارة الخدمة المدنية في منتصف 2006. كما تم إعداد مشروع جديد لصندوق الخدمة المدنية وإصداره بالقانون رقم (1) لسنة 2004. وصدر القانون الجديد رقم 1 لصندوق الخدمة المدنية في سنة 2004 بحيث بلغ إجمالي المحالين إلى الصندوق 19 ألف موظف من العمالة الفائضة حتى نهاية 2010 م وتم اتخاذ إجراءات المعالجة لتخفيض 15 ألف موظف من الصندوق من خلال التقاعد المبكر والتعويض المالي. وكذلك تنزيل عدد (36839) موظفا مزدوجا ومنقطعا عن العمل من كشوف المرتبات. وإحالة (40788) موظفا إلى التقاعد وبنهاية العام 2010م كان الهيكل الإداري والإطار التنظيمي والوظيفي للدولة يواجه العديد من التحديات والاختلالات يأتي في مقدمتها عدم وضوح وظيفة ودور الدولة وبطء عملية إعادة هيكلة الوحدات الإدارية فشل الإصلاحات الإدارية السابقة قصور تشريعات الخدمة المدنية محدودية بناء القدرات البشرية ضعف الهيكل المؤسسية والازدواجية والتداخل في المهام والاختصاصات بين الجهات وضعف نظم معلومات الخدمة المدنية.

الإدارة لم تتغير وطبقا لخبراء الإدارة فإن أبرز خصائص وسمات الإدارة العامة السائدة في العام 2014م هي نفسه التي كانت سائدة في عام 1999 – أي قبل بدء مشروع تحديث الخدمة المدنية- وهذا يرجع إلى جملة من العوامل في مقدمتها غياب فلسفة واضحة للإدارة الحكومية ترسخ وتجذر الطابع التقليدي في الإدارة بأبعاده السلبية وسيطرة القرار السياسي على القرار الإداري وكذا استطالة الهياكل التنظيمية للمؤسسات وتضخمها ضعف الاهتمام بالتطوير التنظيمي وبروز طابع الجمود في مواجهة التغيرات الجارية ترسخ الاهتمام بالمدخلات على حساب المخرجات تضخم الهيكل الوظيفي وضعف مستوى أداء الكادر. يضاف إلى ذلك استمرار مظاهر الفساد وانتشاره واتسام خدماته بالتدني وعدم الكفاءة والفاعلية وخاصة تلك الخدمات المقدمة للجمهور وللقطاع الخاص وكذلك.

هيمنة القرار السياسي التشوه الكبير في الجهاز الإداري للدولة وعدم معالجته يرجع كما يرى خبراء الإدارة إلى هيمنة القرار السياسي على قرارات التعيين في الوظيفة العامة وبالتالي استمرار تغييب مبادئ وقيم الإدارة العامة الحديثة في الاختيار والتعيين للوظيفة العامة وفق مبدأ الجدارة والكفاءة وغياب مبدأ الثواب والعقاب والمساءلة بحيث أصبح الحصول على الوظيفة العامة إلى حدُ كبير مرتبطاٍ بالفساد والمحسوبية وبالولاءات السياسية حيث يشير البعض إلى استحواذ وسيطرت 6 إلى 10 شخصيات قيادية في الدولة بصورة كلية على قرارات التعيين والتوظيف للإدارات العليا والوسطى في كافة مفاصل الدولة وسلطاتها الثلاث كما أن وزارة الخدمة المدنية نفسها تعاني من اختلالات لا تختلف عن بقية الوزارات والجهات الحكومية الأمر الذي جعلها غير قادرة على تحمل عبء تنفيذ مشروع كبير بحجم مشروع تحديث الخدمة المدنية إذ كان من المفترض أولا إعادة هيكلتها وتعزيز بنائها المؤسسي وتنمية كوادرها البشرية أولاٍ قبل تحميلها عبء المسئولية المباشرة عن تنفيذ مشروع مثل مشروع تحديث الخدمة المدنية.

فشل إدارة مشروع تحديث الخدمة المدنية لم يحقق الأهداف المرجوة وهذا ناتج عن عدم تمتع إدارة المشروع بالاستقلالية الكاملة في عملية التنفيذ وإداراتها عن وزارة الخدمة المدنية وأيضا امتدت عوامل وأسباب الفشل إلى معظم مكونات المشروع العديدة في الوزارات والجهات الأخرى بالإضافة إلى تضارب المصالح وهو ما ساهم أيضاٍ في إيجاد بيئة خصبة لظهور عوامل الفشل خاصة وأن غياب الشفافية والمعلومات وسيطرة المسئولين عن إدارة المشروع كان العمل يتم بسرية شبه كاملة بحيث كانت قيادات الوزارات والجهات المعنية مغيبين تماماٍ عن كل ما يحدث في المشروع ومكوناته المختلفة وكذلك اختيار شركات استشارية أجنبية غير مؤهلة وبالذات في عملية إعادة الهيكلة بل تفتقد أحياناٍ للمتطلبات والشروط الضرورية للقيام بعملية إعادة الهيكلة. ولذلك كانت النتائج هزيلة وأو ضعيفة في أحسن الأحوال للوحدات التي تم هيكلتها وكذلك إشكاليات صياغة مشروع تحديث الخدمة المدنية وبعض مكوناته مثل AFMIS بعيداٍ عن الواقع والبيئة اليمنية. فنجاح مثل هذا المشروع في دولة أو دول أخرى لا يعني إمكانية نجاحه في اليمن وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة أعمق. فاعتماد هذا المشروع بصورة أساسية على تقنيات نظم المعلومات في بيئة لا تتوفر فيها المقومات الأساسية والبنى التحتية والموارد البشرية المؤهلة يضعف من عوامل النجاح ويزيد من أسباب الفشل خاصة في ظل تجاهل الأبعاد السياسية والاجتماعية.