الرئيسية - اقتصاد - التخطيط المالي في النظام الاتحادي
التخطيط المالي في النظام الاتحادي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

منذ القدم يميل الإنسان إلى الاتجاه الديمقراطي الحر في إدارة شؤونه والابتعاد عن أنظمة السيطرة المركزية في تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية, من هذا يتضح القبول الإنساني العام لمفهوم النظام الاتحادي ومحاولات الوصول المتطورة إليها باعتبارها تمثل السلوك الديمقراطي في تحقيق العدالة والنمو والتطور والتنمية المحلية في المقاربة الجديدة للمشاركة المجتمعية ضمن المواقع الجغرافية للدولة وتستكمل من خلال القوانين والتشريعات استناداٍ للواقع السلوكي والاجتماعي والاقتصادي فيها ,ومنها التشريع المالي الذي يتولى بيان النشاط المالي الذي يتمثل في كيفية حصول الدولة على إيراداتها وأوجه إنفاقها والموازنة بين الإيرادات والنفقات ,وهذا الأمر ينطبق على الدول البسيطة والمركبة, ولكن قد يتعقد في حالة الدول المركبة ومنها الدول الاتحادية, ذلك إن هذه الأخيرة يتم صنع القرار الاقتصادي فيها على مستويات مختلفة بين الحكومة المركزية (الاتحادية) والحكومات المحلية. وتختلف الدول الاتحادية بدرجة كبيرة في اختياراتها بالنسبة لطبيعة النظم المالية بصور وأوجه متعددة ومحددة في كيفية تقسيم الصلاحيات المالية بين المركز والأقاليم. إن إحدى الميزات العامة لتخصيص السلطات المالية في جميع الأنظمة الاتحادية تقريباٍ هي جعل مصادر الإيرادات الرئيسية بين الحكومة الاتحادية وتحديد أنواع ومصادر الإيرادات الضريبية وغير الضريبية ومعدلها وقيمها في الدولة الاتحادية كما في الدولة البسيطة هو من اختصاص تشريع مالي خاص وحتى عندما تكون بعض المجالات الضريبية مشتركة مع الحكومات المحلية فإن الحكومات الاتحادية تميل إلى الإشراف عليها لأنها تتمتع بصلاحية استباق أي مجال من السلطات المتلازمة (المشتركة) بهدف تحقيق توازن للمالية العامة. إن تركيز القسم الأعظم من الإيرادات والنفقات في حالات بيد الحكومة الاتحادية يعتبر أمراٍ لا غبار عليه من حيث المبدأ, وخصوصاٍ إذا تم إدارته بجودة مهنية وضبطه بمساءلة قانونية لأمراء فيه كي تتمكن أدوات التخطيط المالي من القيام بالدور المتوقع منها عادة وهو إعادة توزيع الموارد المالية, وهناك مجموعة من النظم الاتحادية تقوم فيها الحكومة الاتحادية بجمع ما بين ثلثي وثلاثة أرباع إجمالي الإيرادات كما تقوم الحكومات الاتحادية في معظم الدول بتولي مسؤولية الإنفاق الحكومي: إذ تقوم بعمل تحويلات مالية لحكومات الأقاليم لتمكنها من الوفاء بمسؤولياتها المحلية بالإدارة التنفيذية والتمكين والإشراف والرقابة المباشرة بشكل أفضل وقد تمنح بعض الدول الاتحادية قسماٍ, من وحداتها الاستقلال المالي الذي يسمح لها بتطبيق برامجها في حقول وحدود مسؤوليتها الخاصة وإن كان هذا الأمر يختلف حسب ثروة هذه الوحدات حيث تتعامل الحكومة الاتحادية مع هذه الفروق في الثروة بين وحداتها من خلال تحويلات أكبر للوحدات الأفقر وهناك آليات للتوزيع المتوازن للإيرادات المتاحة بين حكومات الوحدات المكونة للاتحاد. وتحدد معظم الأنظمة الاتحادية في دساتيرها سلطات جميع الإيرادات وصرف النفقات الخاصة بكل مستوى من مستويات الحكم في المركز والإقليم. إن المطلع على وضع اليمن يجد أن هذا البلد يعاني من مشاكل اقتصادية عديدة أبرزها البطالة والفقر والتضخم والمديونية مع أزمات الخدمات والتعليم والصحة والبنية التحتية وغيرها وهي منتج منظومة الفساد, ومن ثم فإن بناء النظام الاتحادي على أسس اقتصادية ضعيفة يعني فقدان أهم أسس البناء الصحيح للدولة. لقد كان موضوع توزيع عادل ومستحق للثروات ولاسيما ثروة النفط والغاز من أكثر المواضيع حساسية وربما كانت سبباٍ لرفض النظام الاتحادي أو المطالبة بها على حد سواء, فامتلاك بعض الأقاليم للثروات دون الأقاليم الأخرى يؤدي إلى خشية الأقاليم التي لا تمتلك هذه الثروات من استئثار تلك الأقاليم بها وحرمانها منها وبالتالي فهي ترفض مثل هذا النظام لهذا لسبب, كما أن التوزيع غير العادل لهذه الثروات وحرمان الأقاليم التي تمتلك هذه الثروات من الحصول على حصة عادلة منها يدفعها إلى المطالبة لمثل هذا النظام على اقل تقدير للحصول على توزيع عادل لتلك الثروات. لذا هناك أطروحات في الأنظمة الاتحادية لهذه الجزئية كفرضية تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الموارد العامة والطبيعية تضطلع بمسؤوليات معينه منها على سبيل المثال: التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الأقاليم. التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها. ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم المنتجة للنفط وفقاٍ للنسب المقررة في الدستور أو القوانين ذات الصلة المنظمة لهذه الحقوق. وبما أن التخطيط المالي أصبح مبدأ هاماٍ من مبادئ النظام الاتحادي لمنح الأقاليم والولايات بعض الاستقلال المالي كجزء من الشخصية المعنوية لها ضمن مفهوم الدولة المركبة وتخصيص سلطات الإنفاق العام كأساس للتوزيع المنصف والتعادلي للموارد المتاحة لمعالجة الاختلالات اللاتوازنية العمودية والأفقية وهذا لا يعني بطبيعة الحال الاستقلال المالي التام والتنافس بين الأقاليم من الناحية الضريبية مثلاٍ أو غيره بحيث يعطيها السلطة الكاملة لإقرار موازنتها دون الرجوع إلى مصادقة السلطة الاتحادية التنفيذية والتشريعية, لأن مثل ذلك سوف يؤدي إلى ظهور حالة الخلل في الاقتصاد لمنظومة الدولة الاتحادية الذي ينتج عنه عدم قدرة الأقاليم التي تكون مواردها قليلة أو محدودة على التنمية ومواكبة التطورات في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية, لكن يتم توحيد موازنات الأقاليم ضمن موازنة اتحادية تراعي تحقيق التوازن المالي والاقتصادي الكلي,كما يتم تخصيص حصة عادلة للأقاليم من الإيرادات المحصلة اتحادياٍ تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها, يعني أن يتم التخطيط المالي بوضع الاعتمادات المالية للأقاليم مرتكزا على الأسس التالية: 1- الحاجة الفعلية من الاعتمادات المالية لتغطية الإنفاق الجاري والاستثماري في ضوء الخطط المعتمدة لتنفيذ الأهداف المطلوبة ضمن الأقاليم وحسب نسبة السكان . 2- تقدير الموارد التي تقوم الأقاليم بالتخطيط لجبايتها وتحويلها عند تحققها إلى الخزينة الاتحادية لتمويل الموازنة العامة الاتحادية لتغطية الأنفاق في كافة الأقاليم. أن هذا الأسلوب يوفر للسلطة الاتحادية القدرة في تمويل الموازنة العامة لتغطية الإنفاق حسب الأولويات العامة التي تمكنها في تمويل المشاريع الاستثمارية وتمويل حسب التوزيع الجغرافي والعمراني للنهوض بالأقاليم التي عانت من درجات الحرمان العالية والنقص للوصول بها إلى المستوى المرغوب من الازدهار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية حتى وان كانت إمكاناتها في الموارد المالية ضعيفة, لأن ذلك من مسؤولية الحكومة الاتحادية التي عليها العمل على أساليب التنمية المستدامة للجيل الحالي والأجيال القادمة في إرساء قواعد الأخلاق الديمقراطية الاقتصادية, وعلى أساس أن المال يعتبر الركن الأساسي في الجسد السياسي للدولة الاتحادية من خلال توفير الموارد المنتظمة لتمويل الموازنة الاتحادية للوفاء بالتزامات الحكومة الاتحادية الحالية والمستقبلية حتى لا يبتعد عن أسلوب التخطيط المالي العلمي ويؤدي إلى المتاعب والإحراجات الناتجة عن موارد غير كافيه للخزينة العامة الاتحادية , والأخذ بعين الاعتبار الحرمان التي كانت سببا في تردي أوضاع المناطق الجغرافية المنتجة للنفط والغاز في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والبنيوية, فمن التصورات المطروحة منحها الاعتمادات المالية التي تعادل أجزاء ونسب إضافية من إيرادات النفط والغاز تحدد في ضوء الحاجة وهي في الأساس كبيرة نسبياٍ في تلك المناطق للمساهمة في تنميتها بما يكفل الارتقاء بالمستويات الاقتصادية والتنموية فيها وإزالة الفوارق بين سكان جميع المناطق, وفي جانب مكمل للتخطيط المالي الاتحادي فمن أهم التحديات التي تواجها ويتطلب الاهتمام بها تتمثل بالمديونية القائمة والمستقبلية الخارجية والداخلية وتغطية العجز في الموازنة العامة الاتحادية بالطرق الاقتصادية العلمية في إيجاد مصادر تمويل العجز وعدم الاعتماد على أسلوب إعادة طلب تمويله بنفس المصادر التقليدية بمبررات مختلفة منها أنها في الحدود الآمنة وهو أمر غير مقبول استمرار سيناريوهاته لأن تكرار ذلك سوف يؤدي إلى ضعف اكبر مَما هو قائم والنتيجة استمرار تراجع وتدني الوضع المعيشي للمجتمع وعدم القدرة في إشباع مجمل حاجاته وبالتالي إضعاف ثقة المواطنين بالحكومة الاتحادية في تحقيق الأهداف الساعية للخير العام. باحث بوزارة المالية