الرئيسية - عربي ودولي - مستقبل العراق عقب تشكيل الحكومة الجديدة
مستقبل العراق عقب تشكيل الحكومة الجديدة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

جاء إعلان رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بسحب ترشحه لصالح المرشح لرئاسة الحكومة حيدر العبادي استجابة طبيعية لجملة من الضغوطات الداخلية والخارجية والتي ارتفع مستواها خلال الأسبوع الماضي واتخذت أبعاداٍ محلية واقليمية, وكان ذلك التنحي بالتأكيد على خلفية الأزمة السياسية التي يشهدها العراق وما نتج عنها من تداعيات سياسية مختلفة يبدو أبرزها ما يجري بالظرف الراهن من تجاوزات متعددة للهيئات والمؤسسات أكانت برلمانية أو دستورية. حيث تدار العملية السياسية خارج الأطر القانونية برغم ما نتج عن سياسة الحكومة السابقة من احتقانات مختلفة وصراعات متعددة كان أبرزها الحرب الجارية بين الجيش العراقي وما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” حتى أن تلك المواجهات المسلحة شكلت محوراٍ أساسياٍ ودافعاٍ قوياٍ لتغيير الحكومة الأولى وتشكيل حكومة جديدة وإن كانت السابقة لا نجحت ولا فشلت لأن النجاح أو الفشل دائماٍ ما يكون وفقاٍ لمعايير نسبية. لكن ما حصل خلال اليومين الماضيين كان بالتأكيد يتجه نحو توسيع المواجهات المسلحة لكي لا تكون بين الجيش العراقي وقوات تنظيم داعش فحسب, وإنما تتجه إلى ما هو أبعد من ذلك وتتحول بشكل أو بآخر إلى اقتتال داخلي وحرب بين الأطراف الشيعية ذاتها حيث كانت التوقعات تؤكد حقيقة ذلك. وبغض النظر عن طبيعة الضغوطات الداخلية والخارجية لحمل رئيس الوزراء السابق على سحب ترشحه فإن ذلك الإجراء يعتبر إيجابياٍ بالنظر للأجواء السياسية القائمة والتفاعلات الجارية والتي كان الهدف منها توسيع مساحة الصراعات الداخلية لما من شأنه إفشال أي جهود وطنية لإخراج العراق من أزمته الراهنة. مع أن الإشكالية القائمة لا تكمن باستبدال حكومة بأخرى ولكن بقدرة تلك الحكومة على إنهاء التحديات التي تواجهها ووضع الحلول والمعالجات للمشكلات القائمة بالنظر لما هو حاصل من تصدع واضح في العملية السياسية حيث أن تشدق العالم بالديمقراطية ليس إلا واجهة شكلية ومطية خارجية لتكريس النزاعات الداخلية في العراق الذي يواجه حالياٍ تحديات داخلية وخارجية كما أشرنا. الأمر الذي يتحدد من خلال ما تم ترحيله من قبل الحكومة السابقة على خلفية تغيير الحكومة إيجاد تباينات وتناقضات بين بعض الأطراف الشيعية فضلاٍ عن حالة امتعاض واستياء غير معلن وهو بالتأكيد ما تريده القوى الدولية أكانت إقليمية أو أجنبية بالنظر إلى ضمان الصراع والحرب الجارية بين تنظيم داعش والجيش العراقي كمعضلة قائمة تؤسس في طبيعتها لأبعاد طائفية خصوصا بين السنة والشيعة وذلك الاحتفاظ السلبي يضع الحكومة الجديدة قبالة تحد حقيقي إضافة إلى ما تسعى إليه القوى الخارجية من توسيع وتطوير الخلافات الداخلية بين الأطراف الشيعية من أجل إعطاء قوة دفع لصراعات جديدة تتماثل وتتوازى لتشمل الأطراف والمركز بالنظر لحالة الصراع القائم مع بعض المجموعات المسلحة والقوات العراقية وفهم ذلك بأنه صراع اتخذ أبعادا طائفية تداخلت بين السنة والشيعة بحسب متطلبات السياسة الدولية وما تريد تكريسه وإيجاده في بلاد الرافدين. الأمر الذي يعني مضاعفة التحديات وإضافة صراع فيما لن تدخر القوى الدولية والأجندة الخارجية أي جهد في تنمية وتطوير النزاعات الداخلية بين الأطراف الشيعية, وهذا بالتأكيد يعزز حالة التشظي السياسي والانفلات الأمني ويوسع من نطاق الصراع القائم, بالنظر لما يدور ويجري في المشهد السياسي العراقي فإن الحكومة الجديدة في تقدير حجم التحديات القائمة لن تكون أقوى من الحكومة السابقة وإن كان الدافع الأساسي لتنحي المالكي نزع فتيل حرب كان من الممكن أن تقع داخل الأطراف الشيعية. بيد أن المخاوف من حدوث مثل ذلك عملية تبدو ممكنة على اعتبار أن الترحيب الإقليمي والدولي بضرورة تخلي نوري المالكي في ظاهر المعنى والدلالة ليس استعدادا للتعاون مع الحكومة الجديدة وإنما لأهداف تخدم مصالح الدول المختلفة فالعالم لم يقف ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين لشخصه أو ذاته بغض النظر عن الأخطاء والسلبيات التي ترافقت مع سياساته, إلا أن ذلك العالم أكان إقليميا أو دوليا كان يعارض بالتأكيد أي حالة نهوض في العراق وهو ذاته العالم الذي لم يرحب بتشكيل حكومة جديدة, وتعتبر الحكومة السابقة أنها لحسابات إقليمية ودولية على علاقة بالشأن الوطني العراقي. فحكومة نوري المالكي اختلفت مع بعض القوى الخارجية غير واعية ولا مدركة أن تلك القوى لها حسابات في العراق تتقاطع مع أي حكومة تتجه نحو إعطاء أولوية واستقلال القرار السياسي الوطني العراقي فذلك على ما يبدو أمر لم تعه وتدركه حكومة نوري المالكي لأن العراق واجه حرباٍ دولية لهدف بسيط ومحدد ألا يكون له حكومة مستقلة وإنما تخضع للمحاصصة الإقليمية والدولية. وبالتالي فإن دعم الأطراف الخارجي لحكومة حيدر العبادي ليس إلا دعما حقيقيا للصراع الإقليمي والدولي الذي تواجهه الحالة السياسية في العراق لاسيما بالظرف الراهن وما يؤكد حقيقة ذلك أن حكومة العبادي هي بالتأكيد من ذات التوجه السياسي والفكري لحكومة المالكي, ولكن الملاحظ أن الترحيب الإقليمي والدولي بتلك الحكومة إذا لم يتحول إلى دعم حقيقي ومساندة فعلية لكي تتغلب العراق على أوضاعها المعقدة فلن يكون ذلك إلا تكريسا للصراعات الداخلية وإرباكا لأي حالة نهوض تحاول الدفع بالقرار السياسي الوطني العراقي إلى مساحات أوسع وأشمل مما هو حاصل بالظرف الراهن كي يتحرر ذلك القرار من التبعية والارتهان والضغوطات المختلفة من قبل المحاور المتعددة والتي ترى في ضعف العراق أمرا حيويا يخدم مصالح القوى الإقليمية والدولية بغض النظر عن أي اعتبارات تعطي الأولوية لأمن واستقرار ذلك البلد العربي لأن أمن واستقرار العراق لن يأتي بالتأكيد من الخارج وإنما العكس صحيح الأمر الذي يجعل الحكومة الجديدة أمام جملة من التحديات الداخلية والخارجية.