الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - سياحة وتراث - مدينة شبام التاريخية بحضرموت في مرمى تهديدات الإرهاب
مدينة شبام التاريخية بحضرموت في مرمى تهديدات الإرهاب
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تعد المدن التاريخية والمعالم الأثرية أهم رموز الهوية للبلدان والشعوب وتكون هذه المدن بعيدة عن الصراعات السياسية وأحداث العنف وتعد اليوم شبام حضرموت أهم المعالم والمدن التاريخية التي تتلقى التهديدات من قبل ما يسمى تنظيم القاعدة في حضرموت ولعل آخر هذه التهديدات ما تناقلته وسائل الإعلام عن المتهم في ذبح الجنود بحضرموت “جلال بلعيد” الذي هدد بالإضرار بشبام حضرموت كون هذه المباني المتواجدة في شبام أصبحت مزارا لليهود والنصارى الأجانب على حد قوله , ولكون هذه المباني تمثل لهم مزارا يجب التخلص منها”, كما توعد بلعيد بتدمير قبر النبي هود في مديرية السوم بوادي حضرموت, ولعل مثل هذه التهديدات تنم عن عداء هذه التنظيمات لكل ما هو جميل وهذا التراث الإنساني ليس ملك اليمن فقط بل ملك الإنسانية جمعاء خصوصا وأن شبام حضرموت تعد ضمن المدن المدرجة في قائمة التراث العالمي وعلى كافة الجهات المسؤولة أخذ هذه التهديدات مأخذ الجد والعمل على حمايتها بكل الوسائل.

من جهته اتهم وزير الثقافة عبدالله عوبل منذوق “القاعدة” بالتآمر على شبام حضرموت ودعا أبناء شبام وحضرموت ومختلف أبناء اليمن للوقوف جنبا إلى جنب مع الدولة في حماية المدن والمواقع التاريخية وكشف المؤامرة التي يقودها الإرهابيون على إرث وتاريخ الأمة وناشد جميع القوى بما فيها قوات الجيش والأمن والأجهزة الأمنية المختلفة لاتخاذ الإجراءات الحاسمة لحماية مدينة شبام التاريخية والمواقع الأثرية والتاريخية المختلفة. وشدد في تصريح صحفي على ضرورة إصدار توجيهات رئاسية عاجلة بما يكفل وأد مثل تلك التصريحات والمخطط الإرهابي الإجرامي تجاه التراث الثقافي اليمني وتعد مسؤولية الحفاظ على هذه المدينة مسؤولية أخلاقية على جميع أبناء اليمن ويقول المختصون بالمدن التاريخية أن مثل هذه التهديدات تعد سابقة خطيرة على تراث وهوية اليمن. نبذة تاريخية تعد شبام حضرموت مدينة المدن اليمنية وأكثرها شموخا عنواناٍ لقدرة اليمني على الإبداع وعبقرية البناء الذي مازال حتى وقتنا الحاضر مميزا في العمارة ويقال أنها “منهاتن الشرق الأوسط ” ” شيكاغو الصحراء ” و” أول ناطحات سحاب في العالم ” مبنية من الطين إن بيوت ومنازل المدينة المختلفة المبنية من اللبن ترتفع بشكل مثير للإعجاب ويترواح سمك جدران الدور الأرضي للمنزل الحضرمي في شبام بين متر ونصف ومترين. ويقال أن اسم المنطقة يعود إلى كونه أول باني شبام حضرموت ويروي الهمداني أن المدينة بنيت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد فيما إحدى الروايات تشير إلى أن المدينة تم بناؤها في القرن الخامس قبل الميلاد وأصبحت معروفة في القرن الثاني . أولى ناطحات السحاب وتقول المصادر التاريخية إن شبام تعانق مبانيها السحاب التي تمتد إلى أكثر من خمسمائة عام وترتفع سبعة أدوار وتصل إلى ستة عشر, مؤكدةٍ عبقرية الإنسان اليمني وفن الهندسة المعمارية, وبنيت المدينة على الطراز القديم إذ أن شوارعها ضيقة ملتوية لكن موقعها الذي اختير لبنـاء أقدم ناطحات سحاب في العالم اختير مركزا دفاعيا لمدينة حصينة. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى اسم ملكها شبام بن حضرموت بن سبأ الأصغر وفي رواية أخرى إن سكان شبوة عند تهدمها نزحوا إلى هذا الموقع وسط الوادي وسموها (شباة) ثم تحولت التاء إلى ميم وهذا ما يشير إليه الهمداني. وتعتبر مدينة شبام العاصمة السياسية والاقتصادية لوادي حضرموت بل ولحضرموت كلها وتقول مصادر الكتب انه عندما اعتنق الحضارم الدين الإسلامي في العام العاشر الهجري أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي ليكون عاملا له على حضرموت واتخذ شبام مقرا له لإقامته متنقلا بينها وبين مدينة العلم المعروفة في حضرموت وهي مدينة تريم. وصف الهمداني وبحسب المؤرخين فإن مدينة شبام القديمة أكبر مما هي الآن والدليل على ذلك ما ذكره الهمداني عنها إذ قال : أما قبيلة حضرموت فمساكنهم الجهة الشرقية والوسط من وادي حضرموت وأولى بلادهم شبام وسكنها حضرموت وبها 30 مسجدا (أي في عصره), إذ أن بها حاليا 6 مساجد ونصفها خربتها كندة (قبيلة حضرمية مشهورة) وسكانه بنو فهد بن حمير وبنو فهد بن سبأ بن حضرموت. ووصفها الهمداني أيضا في كتابه المشهور “صفة جزيرة العرب” بما يلي: شبام مدينة في حضرموت وسوق الجميع قصبة حضرموت وقد تحدث عنها كثيرا المؤرخان ياقوت الحموي والقزويني ومن ملوكها المشهورين قيسبة بن كلثوم السكوني الكندي المولود بشبام عام 6 قبل ميلاد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمتوفي عام 37 هجرية وكان قائدا عسكريا شارك في فتح مصر عام 20 هجرية وقد انطلقت من هذه المدينة ثورة عبد الله بن يحيى الكندي عام 128 هجرية ضد الحكم الأموي واستمرت منطلقا وقاعدة لمقاومة الحكم العباسي بحضرموت وانتشر فيها آنذاك المذهب الأباضي ومركزه الرئيسي شبام الذي انتهى في القرن السادس الهجري. وتبرز أهم معالمها التاريخية في سورها المحيط بها من كل الاتجاهات وهو مبني على الطراز القديم ولها بوابة وحيدة كانت تغلق ليلاٍ وبيوتها عبارة عن ناطحات سحاب هي الأولى على مستوى العالم مبنية من الطين النيئ وتتراوح طوابقها من 6 إلى 7 طوابق وارتفاع كل طابق ما بين 4 إلى 6 أمتار وتمتاز بالنقوش والزخارف على أبوابها ونوافذها المصنوعة من الخشب المحلي (السدر) شجر النبق وتعمر البيوت إلى أكثر من500 سنة إذا وجدت الصيانة الدورية لها. أبرز معالمها الجامع الكبير المسمى (جامع هارون الرشيد) الذي تم تشييده عام 166 هجرية بالإضافة إلى مسجد الخوقة الذي كان مركزاٍ للأباضية. وهناك أيضا القصر الشمالي الذي بني في الفترة 617 هجرية وكان مقراٍ لحكم الدولة المتعاقبة اتخذه ابن مهدي في العام نفسه مقرا له وفي 618 هجرية حفر خندقاٍ أحاط بالحصن ممتدا إلى مسجد الخوقة وحفر علي بن عمر الكثيري بئرا بجانبه سنة 836 هجرية وهو إلى الآن بعد أن أزيلت منه ثلاثة طوابق وهو مقر الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في حضرموت ويسهم في إعادة بناء ماعبثت به أيادي الإهمال. وقد اعتبرت اليونسكو مدينة شبام من ضمن قائمة مدن التراث الإنساني ونفذت فيها العديد من المشاريع للحفاظ عليها خوفا من الاندثار بخاصة في ظل الهجمة.

تصوير فؤاد الحرازي