الرئيسية - الدين والحياة - دعاة وعلماء: المصالح العليا للبلد مقدمة على المصالح الخاصة والضيقة
دعاة وعلماء: المصالح العليا للبلد مقدمة على المصالح الخاصة والضيقة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

جاء الدين الإسلامي الحنيف ليعمل على تحقيق العدل عملياٍ في الواقع الإنساني في كل الأحوال والظروف.. العادية والاستثنائية بما وضع من أصول وقواعد ومناهج وخطط تشريعية تضبط المسـار في الاجتهاد وتسـدد خطى المجتهد في إطار تلك المشروعية ومن قواعده الشاملة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة حسب الظروف في الزمان والمكان كما يفتي بها علماء الفقه والأصول من الفتوى والاجتهاد والاستدلال والنظر لما في ذلك من التيسير ورفع الحرج وسد الذرائع وأن لا يتعدى ذلك إلى مفسدة أكبر وتمتاز المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة بالشمول وعموم النفع للمسلمين فلذا كانت أولى بالتقديم لعموم النفع سواء كان عمومها لأهل بلد أو حي أو إقليم أو مملكة من الممالك وهكذا كلما كان اتساع نفعها كان تحقيقها ورعاية تحصيلها ألزم وأولى.

في البداية يوضح لنا أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالرحمن الوعيل أن الشريعة الإسلامية تهتم بمصالح الفرد والمجتمع في ظل قواعد أصولية أتى بها العلماء من خلال دراستهم واستقرائهم لكتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفهم الصحابة رضوان الله تعالى عنهم والمصالح في اللغة: جمع مصلحة مأخوذة من الصلاح وهو ضد الفساد يقال: في الأمر مصلحةَ أي خير وفائدة وقيل أنها في الأصل عبارة عن جلب منفعة أو دفع مضرة. الشرع.. مصالح عامة وخاصة ويضيف أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء: وتنقسم المصالح باعتبار عموم نفعها إلى قسمين: عامةَ وخاصةَº فأمِا المصلحةْ العامِةْ (أو الكلية): فهي كلْ ما فيه جلبْ نفúعُ أو دفعْ فسادُ يعود على جميع الأمة أو على جماعة كبيرة أو قْطúر أو نحو ذلك منها وأما المصلحة الخاصِةْ (أو الجزئية): فهي كلْ ما فيه جلúبْ منفعةُ أو درúءْ مِفسدةُ تِعْودْ على فردُ معيِن أو أفراد قليلين. وقد ذكر العزْ بن عبد السلام في قواعده أن اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوفرْ وأكملْ من اعتنائه بالمصالح الخاصة (القواعد الكبرى للعز بن عبد السلام 2/158). وعلى ذلك جاء في القواعد الفقهية أن «المصالح العامة مقدِمةَ على المصالح الخاصة»(الموافقات للشاطبي 2/350 376)º أي عند تعارضهما وأن «المصلحة العامِة كالضرورة الخاصة»º أي في إباحة المحظورات(القواعد الكبرى للعز 2/314). قاتل الفرد.. قاتل للمجتمع ويشير الدكتور الوعيل إلى أن القرآن الكريم دائماٍ ما يهتم بمصلحة الجماعة بداية بتربية الفرد فالإسلام اجتماعي بطبعه كتطبيق الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج ويربي الفرد ويعاقبه إن خالف وتخلف كتطبيق الحدود على القاتل والسارق وشارب الخمر وغير ذلك لأن الفرد جزء من المجتمع لذلك نجد أن القرآن الكريم كثيرا ما يخاطبنا باسم الجماعة قبل الفرد مثل قوله تعالى: {يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْوا كْتبِ عِلِيúكْمْ الصيِامْ كِمِا كْتبِ عِلِى الِذينِ منú قِبúلكْمú لِعِلِكْمú تِتِقْونِ} [البقرة: 183] وحين يقتل فرد من الناس فرداٍ آخر فإن القرآن يصف ذلك الفرد بأنه قاتل للمجتمع بأكمله قال تعالى : {منú أِجúل ذِلكِ كِتِبúنِا عِلِى بِني إسúرِائيلِ أِنِهْ مِنú قِتِلِ نِفúسٍا بغِيúر نِفúسُ أِوú فِسِادُ في الúأِرúض فِكِأِنِمِا قِتِلِ النِاسِ جِميعٍا وِمِنú أِحúيِاهِا فِكِأِنِمِا أِحúيِا النِاسِ جِميعٍا } [المائدة: 32] فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. فإذا تعارضت مصلحة متعلقة بعموم الناس أو بفئة غالبة منهم مع مصلحة أْخرى شخصية أو متعلقة بفئة قليلة فتْقدم الأولى. ومن الأمثلة على ذلك: 1) إقامة القصاص والحدود ففي كل هذه الحالات تعارضت مصلحة متعلقة بعموم الناس مع مصلحة الجاني. 2) تحريم الاحتكار كما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: “لا يحتكر إلا خاطئ” والخاطئ هو من تعمد الوقوع في الخطأ فهو آثم أما المخطئ فهو من وقع في الخطأ بغير تعمد. 3) نزع ملكية الممتلكات الخاصة لإقامة مشاريع يستفيد منها غالب الناس وللإمام الحق في نزعها ولو قهراٍ بشرط أن يكون هناك حاجة وأن يعوضهم بما يْساوي ثمن تلك الممتلكات. 4) ما ثبت في صحيح البخاري في قصة أصحاب الأخدود حيث طلب الغلام من الملك أن يقتله بأن يقول باسم الله رب الغلام وذلك تغليباٍ للمصلحة العامة. قواعد عقلية وأما الباحث في الفكر الإسلامي عبدالله القيسي فيقول: إن قاعدة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة هي إحدى المعايير العقلية عند الموازنة بين المصالح والمفاسد, وقواعد الموازنة بين المصالح والمفاسد قواعد عقلية موجودة عند كل ذي فطرة سوية, فهو يقدم جلب أكبر المصلحتين إذا تعارضت عنده مصلحتان, ويقدم درء أكبر المفسدتين إذا تعارضت عنده مفسدتان, ويقدم جلب المصلحة الكبرى على درء المفسدة الصغرى, ويقدم درء المفسدة الكبرى على جلب المصلحة الصغرى. ويضيف القيسي: ولو وقفنا لنقارن بين مصلحة الإنسان الخاصة إذا تعارضت مع مصلحة عامة للمجتمع , سنجد أن العقل السليم يقدم مصلحة المجتمع, لأن الإنسان جزء مهم منه, ولا يستطيع الإنسان أن يعيش لتحقيق مصالحه فقط, فهو ينال ثمرة تقديمه لمصلحة المجتمع ويخسر إن كان أنانيا وأراد مصلحته فقط.. يقول الله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل). الوطن أولاٍ من جهته يؤكد الشيخ أبو بكر الحسني إمام جامع الحسن بن علي رضي الله عنهما أن تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة منافُ للعقل والمنطق والدين فعندما جاء جابي الصدقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له هذه الصدقة وهذا أهدي إلي قال صلى الله عليه وسلم :(هلا قعدت في بيت أبيك أو أمك أكان يهدى إليك) فمن قدم مصلحته على مصالح عامة الناس_ وما أكثرهم_ فهو ناقص الإيمان لأن الدين المعاملة لذلك من الواجب الآن وفي هذا الوضع الذي يمر به اليمن الحبيب من أزمات ومنغصات أن ندعوا جميع الأطراف لتحكيم العقل وتقديم مصلحة هذا الوطن الكبير والكبير جدا على مصالحنا الذاتية أو السياسية أو الحزبية.