الارياني: مليشيا الحوثي حولت محافظة إب لإقطاعية لمشرفيها القادمين من صعدة وعمران ورشة عمل الإصلاحات المؤسسية ترفع توصيات للحكومة وتسلسل لتنفيذ الإصلاحات في المحاور الستة الرئاسة الفلسطينية تؤكد رفضها إنشاء منطقة عازلة شمالي قطاع غزة لتوزيع المساعدات اللواء الزبيدي يدعو الى تظافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية لتأمين ممرات الملاحة الدولية الزْبيدي يناقش مع السفير اليوناني تداعيات استمرار التصعيد الحوثي على الشحن البحري الدولي اللواء الأشول يدشّن الدورة الأولى لقادة سرايا اتصالات ويؤكد أهميتها في المعركة اليمن يترأس الاجتماع الـ 39 لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هيئة رئاسة البرلمان تعقد اجتماعاً لها وتزور البرنامج السعودي لتنمية واعمار اليمن السفير الأصبحي يبحث آفاق التعاون مع وزارة الإدماج الاقتصادي المغربية باصهيب يؤكد ضرورة استمرار التنسيق بين الحكومة والمنظمات الأممية
يطل علينا الروائي الإماراتي الغزير الإنتاج “علي أبو الريش” برواية كاشفة لأغوار النفس البشرية عنونها ب “الغرفة 357″(1) وهو عنوان يحق لنا أن نتحفظ عليه لصعوبة التصاقه بالذاكرة وكان يمكن استبداله بعناوين أخرى تحمل نفس المعنى وتبعدنا عن متاهة الأرقام. وهذا يذكرني برواية أخرى بديعة ولكن عنوانها فاتر هي روية “1984” للروائي البريطاني جورج أورويل(2). وبعد تجاوز عنوان الرواية غير المشجع سوف نقع على الفور في شباك الروائي من السطور الأولى فهو يدخلنا إلى غرفة في فندق فخم ويجعلنا نرى مضاجعة غير متكافئة بين جسدين طرفها الأول بطل الرواية “مطر بن حارب” المكنى بأبي أحمد وهو شيخ خمسيني ترك قريته في رأس الخيمة وجاء إلى دبي ليرتوي من رشف الملذات والطرف الثاني امرأة من شرق آسيا تمتهن الدعارة ولها جسد غض في ميعة الصبا. ولكن هذا الشيخ الهرم المتباهي بفحولته يصاب فجأة بالعنة أمام الجسد الطري الشهي فيضطر إلى استخدام الحبة الزرقاء “الفياجرا” لإنعاش قواه وإتمام العملية الجنسية وبذا يضع الروائي اللبنة الأولى في تفكك شخصية “مطر بن حارب” واختلال سويتها النفسية. عاش “مطر بن حارب” حياته كلها في قريته برأس الخيمة متمسكاٍ بالعادات والتقاليد ورافضاٍ لحياة المدن الكبيرة وصخبها وملتزماٍ بالأخلاق الحميدة ومحتقراٍ لأقرانه الذين يمارسون الرذيلة ولكنه فجأة يمر بأزمة منتصف العمر ويشعر برغبة ملحة لهجر فراش الزوجية البارد الذي ملأ نفسه سأماٍ والبحث عن صبايا جميلات يشبعن شهواته فيرحل إلى دبي وينزل في فندق البستان ويلتقط أول امرأة يصادفها في طريقة: ” جلس الرجل متأملاٍ جسده الأشبه بلوح خشبي لعبت به السنون نفض إزاره ولفه حول خصره ثم ارتدى الفانيلة واستلقى بجانب المرأة التي كانت تحملق في وجهه في انتظار الخمس مئة درهم. وهو يقرأ وجهها الطفولي لمس انحساراٍ مريعاٍ في عينيها وانسحاباٍ باتجاه المجهول قال لها في لهجة قاسية: انهضي أيتها الفاجرة. لم تفهم المرأة لغة الرجل لكنها فهمت مغزى عبوسه فتمتمت ضجرة غضنت حاجبيها وهي تهم بارتداء ملابسها قائلة: ” حبيبي فلوس.. أريد فلوساٍ”. فتح أبو أحمد عينيه محملقاٍ في وجه المرأة قائلاٍ في لهجة برمة: الله يلعن سلامة البليدة ويلعنك أيتها الفاجرة. لم تلق المرأة بالاٍ لما يقول بل بحلقت في يدهوهي تدخل في المحفظة فارتعش قلبها وهي تنظر إلى الرزم المتلاحقة من الدراهم قالت في لهجة مكسورة: ” حبيب عشرين درهم علشان تاكسي”. قال على مضض: خذي يا مجرمة هذي الخمس مئة وهذه العشرين. نهضت المرأة ترقص جسداٍ بضاٍ رقيقاٍ وكأنها قطة شرسة بعد عناق مع رمل الحياة. نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يغيبها باب الغرفة أشعل سيجارة والتفت ناحية النافذة المطلة على حوض السباحة المزدحم بأجساد الرجال والنساء”(3). وكما نلاحظ من النص المقتطف فإن بطل الرواية متعطش للجنس ولكنه في نفس الوقت يشمئز من هذا اللقاء الجنسي المبتذل الذي يسيطر عليه الكلام حول المال وهو الذي كان يْمني النفس بلذة تخفق لها روحه وترقص من حلاوتها كل خلية عصبية في جسده. يكتشف “مطر بن حارب” بعد تعثره في أول مضاجعة محرمة يقوم بها خارج الإطار الزوجي أنه لا يبحث عن الجنس فحسب بل وعن الحب ثم كلما أوغل هذا الكهل في التأمل والغوص في عالمه الباطني كلما أدرك أنه يبحث عن امرأة كاملة تمنحه الجنس والحب وعاطفة الأمومة وهكذا مطلب كان بطبيعة الحال من المستحيل أن يعثر عليه بين أحضان بائعات الهوى فإذا به يتردى بصورة أعمق في أزمة منتصف العمر التي يمر بها وتظهر على تصرفاته أكثر فأكثر ملامح تفكك الشخصية وانحدارها إلى حضيض الجنون. يقتحم غرفته “جوزيف” الذي يبدو أنه من تجار الرقيق الأبيض ويدعوه لعزومة غداء وفي المطعم يتعرف على “مادلين” الشابة اللبنانية ذات الجمال الفائق فيقع في حبها من أول نظرة ويماهي بينها وبين أمه التي فقدها وهو في سن العاشرة. يفكر “مطر بن حارب” في ضم هذه الفتاة الجميلة تحت جناحه ولكنه يعلم أن “جوزيف” لن يتركها له دون مقابل.. وفيما هو منشغل بتدبير وسيلة للخلاص من جوزيف تأتي الشقراء “مادلين” إلى غرفته في الفندق لوحدها ولكن عاملة نظافة سريلانكية تكذب عليها وتخبرها أن نزيل الغرفة 357 قد غادر الفندق! وبعدها بأيام تختفي تماماٍ “مادلين” ويصاب “جوزيف” بانهيار عصبي وكأنه خسر أسهمه في البورصة وأما بطلنا “مطر بن حارب” فإنه منذ هذه اللحظة فصاعداٍ ـ فقدان مادلين ـ يفقد صلته بالواقع تدريجياٍ: يخرج إلى شاطئ الجميرا ويحفر لنفسه حفرة يمكث فيها أياماٍ ثم يمشي باتجاه الصحراء باحثاٍ عن قبر أمه ويتوه فيها زماناٍ غير معروف ثم يصل إلى قرية ساحلية ـ ربما كانت مسقط رأسه ـ ويسلم الروح بعد معاناة طويلة من التشرد وغياب العقل. اللغة الشعرية وأعشابها الضارة: يطغى على الرواية التي بين أيدينا النفس الشعري وفي جمل متفرقة تم استخدام السجع. ربما امتدح النقاد كثيراٍ استخدام اللغة الشعرية في كتابة الرواية ومنهم من قام بتوزيع الأوسمة وعلقها على صدور الروائيات والروائيين الذين أغرقوا في شعرنة سردياتهم فإذا هي تأتي مترهلة تقول المعنى وتكرره وتنضج المْنضج حتى تحرقه. وفي رواية “غرفة 357” نجد انجراراٍ قاهراٍ لتطعيم النص بالصور الشعرية والجمل المضافة كحلية لفظية المقصود منها جعل النص أكثر توهجاٍ وبريقاٍ.. ولكن هذه الشحوم اللفظية التي نقدر أنها تشغل مساحة 30% من جسد الرواية لربما كان من المستحسن حذفها بحيث تبدو الرواية أكثر رشاقة وسلاسة وبما يْمكن القارئ من رشف عذوبة الرواية دون تلك الزوائد. من المهم أيضاٍ الإشارة إلى أن هذه الجمل الطويلة التي بذل الروائي جهداٍ كبيراٍ في ترصيعها بالصور الشعرية تشكل إعاقة لتدفق السرد وتجبر القارئ على أخذ وقفات استراحة.. أي أنه لا يستطيع قراءتها في جلسة واحدة. وهذه “الوقفات” هي أخطر داء يمكن أن تعاني منه أية رواية بغض النظر عن حجمها أو مكانة كاتبها.. وطبعاٍ لا يغرب عن البال أن هناك من القراء الكسالى من سينصرف عن إكمال قراءة الرواية ويضعها جانباٍ. وبلغة الأطباء لابد أن نعترف أن هذه هي إحدى مضاعفات الإغراق في استخدام تقنية اللغة الشعرية في كتابة النص الروائي. عقدة أوديب ومساربها الخفية: يمكن القول أن موضوع رواية “غرفة 357” يمكن اختزاله في العقدة الأوديبية المعروفة ـ الحب المحرم للأم ـ وقد تمكن الروائي الإماراتي علي أبو الريش من معالجة هذا الموضوع بمهارة وجرأة غير متوقعة.. وأظهر الكثير من الخبرة والدراية في الصنعة الروائية من خلال خلقه لشخصية “مطر بن حارب” والإمساك بنقطة البداية الصحيحة في فتح جرحه النفسي ثم التطوير المتدرج لعالمه النفسي الجديد وتوسيعه بكلام الشخصية مع نفسها وهذياناتها ومراقبة هذه الرحلة المؤلمة التي يقوم بها “مطر بن حارب” للوصول إلى حقيقته الباطنية. وما هو جدير بالملاحظة أن هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر التي تجري في ذهن رجل قام الروائي برصدها ببصيرة مدهشة والتقط تفاصيلها الخفية بصدق فني يثير الإعجاب: ” عندما كنت في التاسعة وقبل أن تغيب أمي كنت أدس رأسي الصغير في صدرها فتلمزني ناهرة بلهجة ودودة: كف عن هذا يا ولدي لقد كبرت بينما أنا كنت أسكر في الرائحة حتى الثمالة وأغوص أكثر وهي تلكزني وتهز منكبي بحفاوة أم رؤوم كنت أشعر أن كائناٍ ما يستقر في هذا الصدر ويستفزني لأوغل أنفي وفمي في المكان الذي ما عاد مكاني كما كانت تقول أمي ولكنني أشعر بالغبن عندما تشتد لهجتها فظاظة فتتركني على وجل خشية أن يشهد أبي هذا المنظر الذي كان ينازعني ملكية هذا الصدر ومن دون أن أعلم”(4). والمقطع طويل ولا يسمح الحيز هنا بإيراده كاملاٍ.. والشاهد أن الروائي قد تمكن ببراعة من معالجة هذا الموضوع الشائك والشخصية التي وقعت فريسة للعقدة الأوديبية انهارت قواها الحيوية بسرعة وراحت تعدو في سباق مع الزمن للظفر بالجنون ثم الموت. البعد الأسطوري في تحلل جسد بطل الرواية: في الثلث الأخير من الرواية يصعد الروائي علي أبو الريش درجة أعلى في فنه الروائي عندما ينقل شخصية “مطر بن حارب” من البعد الواقعي البسيط والمباشر إلى البعد الأسطوري الغني بالمجاز والدلالات الرمزية وقد نلمح بين السطور ـ دون أن يصرح الروائي بذلك جهاراٍ ـ إسقاطات على المجتمع الخليجي الحديث.. وما يؤيد هذه الفرضية أن بطل الرواية “مطر بن حارب” قد أبان في تأملاته للمدن الجديدة عن سخطه من طغيان أبراج الإسمنت ولوثة الإسفلت وزحف مختلف أجناس البشر على شواطئ بلاده دون أن يعرفوا شيئاٍ عن ماضيها وتضحيات الأسلاف الذين عاشوا على ترابها أيام الفقر والحرمان. كما أن خاتمة الرواية ترسخ أكثر فكرتنا عن الإسقاط الضمني لشخصية “مطر بن حارب” على المجتمعات المعاصرة في مدن الإمارات الغنية: ” والمطر يمزج الأرض برحيق الحياة.. انفرجت أساريره ضحك بجلجلة فرحاٍ هز رأسه ثم سكن سكونه الأبدي وهو يحتوي وجه أمه في الفراغ الممتد وحوله تحوم الحمامة وفراخها.. غاب الرجل.. وهو يعصر صدره محتوياٍ الحب الأزلي ويعض على شفتيه بلذة المتشهي لرائحة الأبد.. المطر ومطر يغيبان في التراب.. يغوصان بحلم الإنبات والإزهار.. مطر والمطر يحلبان الصدر الأبدي ويقعان في السرمد.. يغيب الرجل وفي قلبه تغيب أمه يغيب مطر تحت المطر في سحابة الوجه الذي ظل قريباٍ.. وقريباٍ يسكن المدى ويحتوي الحياة الأبدية”(5). ومن هذا المقطع نستنتج أن الأم هي رمز للطبيعة والأرض وأن الابن “مطر بن حارب” هو رمز للإنسان المعذب باغترابه عن الطبيعة وانفصاله عن الصحراء مصدر القيم والفضيلة وأن مصيره المحتوم هو العودة إلى الصحراء والذوبان في رمالها كما يذوب فيها المطر الهاطل من السماء. وفي خضم هذه التراجيديا الكونية ستمتزج ذرات الابن بذرات الأم ومن ثم يتمكن الإنسان العائش على ضفاف الخليج من العودة إلى جذوره. يلفت انتباهنا الروائي الإماراتي علي أبو الريش إلى الخطر المحدق بصورة مجازية محذراٍ من أن أزمة منتصف العمر لا تضرب بذيلها المسموم الأفراد فقط وإنما يمكن أن تطال حتى المجتمعات أيضاٍ. الهوامش: (1) الغرفة 357: علي أبو الريش رواية دار الكتاب العربي بيروت 2009. (2) من الأمور اللافتة للنظر استشراء ظاهرة العنونة بأرقام غرف الفنادق ولعل آخر ما وقعت عليه عيناي في هذا الصدد هو فيلم سينمائي للمخرجة الدانمركية برجيتا ستيرموس وعنوانه “غرفة 304”. (3) الغرفة 357: ص 6ـ 7. (4) المصدر السابق: ص 209. (5) المصدر السابق: ص 304.