الرئيسية - دنيا الإعلام - الوحدة اليمنية أنجاز أم حالة طارئة؟(الحلقة الثانية والاخيرة )
الوحدة اليمنية أنجاز أم حالة طارئة؟(الحلقة الثانية والاخيرة )
الساعة 12:00 صباحاً البديل - دراسة - سامي الاخرس
الوحدة اليمنية من منظور تاريخي :
كما وسبق وتحدثت أن الانجاز العربي الوحيد الذي ربما يمكن الاعتداد به في القرن العشرين هو تحقيق الوحدة اليمنية التي شكلت مدخلا ومحورا رئيسيا في عملية إنتاج طبيعية بروح الجدلية الإنتاجية الحقيقية بعيدا عن وسائل وأدوات الاستهلاك . فالوحدة اليمنية تحققت وأنجزت في بقعة جغرافية عربية لم يتوفر بها من مقومات النجاح سوي الشيء النذير بالتفاؤل مقارنة مع مناطق أخري ، وعليه لم نقارن الانجاز الوحدوي بالاتحاد الإماراتي وذلك للعديد من الدوافع والأسباب التي لا يمكن تناولها هنا ، ولكن عندما نتحدث عن ضعف مقومات النجاح اليمني في ترسيخ الوحدة فهذا لجدلية التطور التي عاش اليمن أحداثها ، وعملية النمو الاجتماعي والسياسي بشقه الذي خضع لحكم الأئمة الانعزالي ، وعلي وجه الخصوص فترة حكم الإمام يحيي الذي عزل اليمن كليا عن محيطه الإقليمي والدولي ورفض أي محاولات للانفتاح علي العالم ومعايشة عملية التطور التي كانت تخوضها الشعوب سواء العربية أو الدولية ، والتي لا زال أبناء اليمن يعانون من عواقبها حتى  اليوم في شتي مناحي الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية ، فمقياسا وقياسا بمنحني التطور للشعوب العربية لا زال اليمنيين متأخرين جدا ، ناهيكم عن الفرق الشاسع في الثروات الطبيعية ما بين اليمن ونظرائه من الأقطار العربية ، وخاصة الدول النفطية (الرعوية) ، إذ هنا عاملين هامين وهما العزلة التي عاشها اليمن ، والثروات الاقتصادية ، وذلك إضافة إلي الحرب التي شكلت حاضنة الثورة اليمنية ، هذه الثورة التي ومنذ أن تم الإعلان عنها تم مواجهتها من الداخل سواء من حكم الأئمة أو من القبلية والعشائرية وبعض الشرائح الاجتماعية التي أرهبتها عملية الانفتاح التي ربما ستحققها الثورة ، إضافة لمحاربة دول الجوار للثورة اليمنية سواء من حكم آل سعود ، أو الحكم الهاشمي في الأردن في بداياتها ، والحرب الدولية التي تمثلت بالقوي الاستعمارية وعلي وجه الخصوص (بريطانيا) ، ورغم كل ذلك استطاعت اليمن أو الثورة اليمنية التحدي والاستمرار ، كل ذلك والجزء الجنوبي من اليمن بعيدا عن هذه التطورات والعوامل حيث كان يعتبر أحد المحميات البريطانية ولا يدور في عجلة التطور الذي يشهده اليمن بشقه الآخر.
انقسم اليمن الواحد ذو الأصول العائلية والعشائرية إلي يمن شمالي ، ويمن جنوبي ، أو يمن عدن ويمن صنعاء بنظامين أيديولوجيين مختلفين  رسخا عملية الانقسام التي شهدت صراع طويل وشاق ، تقاذفته القوي دون مسميات منها العربية ومنها الدولية ، وبعد عملية مخاض طويل وصعب لا يتسع المجال هنا للحديث عنه – عملية الأمل –نجحت الوحدة بين اليمن المنقسم ، هذه العملية التي تطلبت لانجازها نزيف من التضحيات البشرية والاقتصادية ، والاجتماعية ولا يضار كونها جاءت كثمن لانتصار "الفكرة" وتحقيق الحلم الذي لا بد وأن يفتخر به كل يمني وكل عربي .
ورغم عملية الوحدة التي أنجزت إلا أنها لم تستطع مقاومة شهوانية وآفة الانفصال التي كانت تتغذي باستمرار بمطامع استعمارية انتهازية ، وإشعال فتيلها كلما خمدت ، حتى تم الحسم بمعركة صراع يمنية – يمنية عنيفة انتهت لصالح الفكرة ، وهنا لن نحاكم أحداً ، ولن نحاكم هذه المرحلة بايجابيتها وسلبياتها ، ولكننا حتما لن ننحاز سوي لانتصار الفكرة ، فأي انحياز بعيدا عن هذه الفكرة والحلم ما هو سوي ضرب من الإسهاب في الخيال ، وانحياز لمعسكر حاول تمزيق الحلم الذي نتمني أن يكون أشمل وأعم ، وتتسع دائرته . هذا المعسكر الذي غرس فينا جاهلية القطرية ، والحدود ، والحواجز.
وبدأت اليمن بصياغة مرحلة ذات معالم الانجاز الأكبر ، وتضع على خارطة الوطن العربي شاهدا ونموذجا يعتبر الأروع والأكثر أهمية والأروع ،عملية اندماج وانصهار في القرن العشرين ، هذا الاندماج الذي لا زال يعيش فينا ، ويحيي معنا ، ولكنه لم يكتمل بعد ، ولم يتم الحكم عليه نهائيا ، والسؤال الملح كيف يتم ترسيخ دعائم الوحدة ثقافيا ، واجتماعيا ، وسياسيا ، واقتصاديا ؟!
الوحدة اليمنية لا زالت في مراحلها الأولي ، لم يشتد عودها ، ولم ترفع ساعدها القوي في وجه المتآمرين عليها ، ما دام هناك من يردد مصطلح الانفصال ويبحث عنه ، وهذا وزر لا يتحمله دعاة الانفصال لوحدهم ، بل هو وزر جماعي مشترك تشارك به الجماعة السياسية والمتمثلة بالنظام السياسي ، والجماعة الاجتماعية المتمثلة بالجماعات الأثنية ومؤسسات المجتمع المدني ، والجماعة الاقتصادية التي لم تستطع أن تحقق معدلات التنمية والنمو الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل المواطن اليمني يميز بين منجزات الوحدة ، ومآسي الانفصال والانقسام ، أضف إلي ذلك التكوين الثقافي الذي فشل حتى راهن اللحظة في قيادة عملية التغيير والتحول الشمولية للمفاهيم والثقافات الفرعية وتحويرها ، وخلق أبجديات متجددة ومتغيرة لتقبل المستقبل ، ولفظ الماضي بمفاهيمه ومخلفاته الاصطلاحية .
فالبداية لا بد وأن تنطلق من عملية إحلال وإبدال (تغيير ) وفق تسلسل منطقي وطبيعي ، بعيدا عن سياسة الفرض ، والإرهاب الثقافي ، والإجبار الفكري ، فطبيعة المواطن اليمني تختلف وتتميز عن باقي البلدان العربية بما أن هذا المواطن عاش عزلة كاملة ، وعاني من حالة إقصاء قهرية نضجت في واقع منعزل عن البيئة الإقليمية والدولية لفترة طويلة نسبيا ، وكذلك التركيبة السكانية أو التكوينات الاجتماعية (الأثنية) التقليدية التي تشكل الجزء الأكبر من المجتمع اليمني التقليدي بطبعه وانتماءاته ، من هنا المعركة كانت ولا زالت مستعرة ، ولا بد من الاستجابة لمتطلبات الفعل الواقعي الذي أصبح من ضروراته إلقاء البندقية وحمل مشعل التنوير الثقافي ، والتوازي بأبعادها (الثقافية – السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية) فهذه الأبعاد متكاملة متناغمة منسجمة  تتكامل ببعضها البعض ، ولا يمكن عزل إحداها عن الأخرى ، فهي قواعد أساسية يتم البناء علي فرضياتها .
فعملية التغيير الثقافي لا بد وأن تنسج خيوطها ضمن إلغاء المفاهيم الانفصالية وترسيخ مفاهيم التلاحم وليس الوحدة فحسب ، وعند القول تلاحم فأنني اعني الكلمة بمعناها الاصطلاحي واللغوي ، فالوحدة اليمنية ما هي إلا إعادة للتلاحم الذي تفكك قسرا وفرضا ، وليس وحدة بين قطرين طارئين ، وهذا لا بد من الانطلاق وفقه ،وترسيخه في ذهن الأجيال . أن اليمن واحد غير قابل للقسمة علي أثنين ، وأن اليمن التاريخي هو هذا اليمن الذي يوجد اليوم بوحدته الجغرافية، والاجتماعية، والسياسية ، يمن المصير الواحد . يمن التضحيات .
هذا كله يجب أن يصاحبه خوض غمار معركة متوازية ومترافقة ومتوائمة بأضلاعها . تبدأ من معركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، لتشكل القاعدة الأصيلة لأي عملية تغيير مستقبلية.
فأي عملية تغيير لم يتم تدعيمها بتنمية اقتصادية واجتماعية ، تحقق من خلالها نهضة شاملة لن يكتب لها النجاح أو الصمود ، فالمواطن اليمني لا بد وأن يلمس منجزات الوحدة ومكتسباتها ليستطيع المقارنة والمقاربة بين نار الانفصال ، وجنة الوحدة . هذه التنمية المقصودة والتي تتجلي في توسيع التعليم ونشره ، ورفع معدلات الدخل للفرد ، ومعالجة قضايا الفقر ، والأمية ، والبطالة ، والعمل بدستور وطني يستند للقواعد القانونية وروح العدالة علي قاعدة المساواة التامة بين كل فئات وشرائح المجتمع ، والارتقاء بمفاهيم المواطنة ومعاني الولاء الوطني، والانتماء ، وغرس الذات الوطنية في المواطن اليمني ، واستقلال القضاء ، وإطلاق الحريات ، كحرية التعبير ، والمسائلة ، وإطلاق الحرية لمؤسسات المجتمع المدني وإفساح المجال لها لخوض عملية التنمية ، وتوزيع الثروات ، وبناء البني التحتية للوطن اليمني بعمومه . إضافة إلي إطلاق الحريات السياسية ، ومنح حيز من المشاركة السياسية الشعبية للمواطن من خلال انتخابات حرة وديمقراطية في أشكالها المحلي والبرلماني ، وخلق حالة توازن ما بين المعارضة والنظام السياسي المتنفذ بالحكم ..الخ.
العملية ليست معقدة ، ولا تحتاج للإسهاب ، فمتطلبات الوحدة متطلبات بديهية لن يكتب لها النجاح دون الانطلاق أفقيا وعموديا في عملية البناء ، وهنا البناء لا يتم من أعلي الهرم وقمته ، وإنما تتم انطلاقا من البني التحتية للمجتمع الذي يجب أن يجد نفسه منخرطا في حماية الوحدة والحفاظ عليها ، ومشارك في رسم الانجاز الأهم الذي يحمل آمال وطموحات التكوين القطري الضيق ، والتكوين القومي الأوسع مدارا ، وخلق حالة من الانتماء للكيان الوطني ولفظ كل مسميات ومعاني الانتماءات الأثنية ، أو للتكوينات التقليدية التي لا زالت تؤثر علي الخريطة اليمنية.
فالغرس المثمر يحتاج لعناية دائمة منذ أن يتم حرث الأرض وتهويتها ، وغرس البذور ورعايتها حتى تنبت وتصبح نبته مثمرة تحمل من الثمر الشهي ما يثير الشهوة لالتقاطه والتمتع بمذاقه . فالعلقم والصبار لا يثيران سوي الاشمئزاز . فلتكن الوحدة اليمنية النبتة المثمرة ثمرا شهيا يتذوقها اليمني والعربي باستمتاع ورغبة ملحة كحاجة ضرورية.
مقارنة غير عادلة:
نحتكم دوماً كأمة عربية عند الاحتكام للمستقبل للوقوف أمام المجهول ، وقراءة مشوشة غير مرئية، يحيطها الغموض والإبهام  ، فدائما ننجذب للماضي وننبش به ، ونخضع جثمانه لعملية تشريح وعبث بمبضع لا يستطيع أداء مهمته.
  لم تقتحم بعد عملية البحث عن ملامح المستقبل والتنبؤ ورسم معالمه وحدوده لنضع أجيالنا على قاعدة صلبة ينطلقوا من خلالها للأمام بخطي ثابتة ، بل نبقي دوما نلتفت للخلف ، والعودة للمربع الأول ، وهذا ما يميزنا ويمنحنا أعلي درجات في مقياس التخلف مقارنة مع غيرنا من الأمم ، هذا المقياس ليس اعتباطيا أو عفويا ، وإنما يرتكز لقياس علمي ذو قواعد أهمها الفرق الشاسع بين مراكز الأبحاث العربية ونظيراتها في الدول المتطورة ، فكل ما تقدمه مراكزنا الرسمية وغير الرسمية هو البحث المستفيض في الظواهر التي مضي علي أحداثها سنين طويلة أي أحداث الماضي ، فيبدع المؤرخين والمفكرين العرب في دراسة ووصف الماضي وظواهره ، وأبعاده ، أما عند التطرق إلي المستقبل وقضاياه يقف هؤلاء حائرون ، عاجزون ، وتتوقف لديهم لمحات الإبداع ، ويصمتوا ، في الوقت الذي لا زال غيرنا يقدموا كل ما هو مبدع في قراءة المستقبل ورسم مسلماته ، والتنبؤ المسند لأسس علمية ووقائع مترابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل ، فتقرأ هذا الترابط وكأنك تعيشه ، وتراه وتلمسه .
ومن هنا تبدأ عملية الثورة الفعلية التي يمكن أن تسترشد بها الأجيال العربية ، هذه الأجيال التي لا تقرأ سوي عن الماضي ، وينظرون للمستقبل بأفق ضيق وهامشي ، محاصرون بعوامل معلبة في إطار معين ، ونمط تقليدي ، وهو ما يترك لهؤلاء شهواني الانفصال الاستناد إلي أول تجربة وحدة عاشتها الأمة العربية وهي تجربة الجمهورية العربية المتحدة التي كانت طوق النجاة للنخب العربية الفكرية والثورية ، والتي انساقت خلفها انطلاقا من هوجة العاطفة فقط دون التريث والاحتكام للمنطق العلمي في تحليل هذه التجربة التي ذابت وتلاشت مع بزوغ أول شعاع للشمس ، فلم تصمد ، وعليه لا يمكن الانطلاق من خلالها في عملية مقارنة أو مقاربة منطقية مع التجربة اليمنية ووحدة اليمن ، فالاختلاف بين الفصلين التاريخيين كلي ، وكون أن المقارنة لا تعتمد على أسس بحثية متوسعة بكل الأبعاد فإن البعض قد وجد في عقد مقارنات هامشية مدخلا وإفرازا لحالة الفشل وأخذها كمأخذ علي فشل التجربة اليمنية .
بادئ ذي بدئ إن عوامل نشوء الوحدة المصرية – السورية فُرضت على الطرفين فرضا ، ولم يتم الاستعداد والتحضير المسبق والمعد جيدا وفق خطط إستراتيجية متكاملة ، وإنما غلب الجانب العاطفي الوحدوي الذي شكل قوة الدفع للتسرع في إعلان الوحدة المصرية- السورية دون الاستناد لأي خلفيات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، وإنما ترافقت مع مرحلة النشوة القومية والفكر الوحدوي الذي مثل سمة لتلك المرحلة التاريخية التي وجدت فكرة الوحدة خلاص مرحلي من الهزيمة ، والاستعمار ، والتخلف ، إضافة للانسياق الجارف والغير مبرر للنخب العربية الفكرية والثقافية حول خطاب الوحدة والذي اكتسي بالنبرة العاطفية التلقائية الغير مبرمجة أو مدروسة ، والعشوائية التي لا تستند لأي أسانيد إستراتيجية ، وإنما كانت كتعبير عن حالة الهروب الفكرية من الهزيمة ، ومبرر يُقدم للجماهير العربية التي عاشت مرحلة الصدمة حينذاك من هول الانتكاسات التي تعرضت لها الأمة في غابر الأيام الانهزامية ، وهو ما يختلف إجماليا عن الظروف والنواتج التاريخية التي أعلنت من خلالها دولة الوحدة اليمنية سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية .
والأهم الذي كان أحد عوامل فشل تجربة الوحدة المصرية – السورية والتي لو قدر لها النجاح لمثلت الأنموذج الرائع الذي احتذي حذوه العديد من الدول العربية ، سواء بالانخراط في دولة الوحدة ، أو إنضاج تجارب وحدوية أكثر اتساعا ، وأكثر امتدادا من حدود القطر المتعارف عليه حاليا ، ولكن كل مقومات الفشل والانهيار ترافقت مع إعلان هذا الكيان الوحدوي الجديد الذي وباعتقادي ولد ميتا .
الوحدة السورية-المصرية جاءت كنوع من عملية الهروب إلى الأمام التي وجدت قادة الجيش السوري آنذاك نفسهم محاصرين بالضغوط الداخلية المحلية المتمثلة بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية,والضغوط الإقليمية سواء من العراق أو لبنان أو تركيا,أو الضغوط الاستعمارية الخارجية ومنها الفرنسية والبريطانية والضغط الإسرائيلي المتمثل بالدولة العبرية التي كانت تمثل أهم أوجه التهديد لسوريا,وتحيطها بالخطر المتمثل بسيادتها ونظامها ووجودها,إضافة للعامل الحاسم وهو وجود الزعيم جمال عبد الناصر هذه الشخصية التي استقطبت كل أحرار العرب,أي أن الوحدة ارتبطت بشخصية الزعيم عبد الناصر أكثر ما شكلت قناعة ايدولوجية ومتطلب ضروري وتأريخي.واستناداً على ما سبق تم إعلان الوحدة المصرية –السورية بعجالة دون التأسيس السليم,ودون إرساء ا قواعد راسخة لنجاح هذه الوحدة التي انطلقت فعلياً,والتي خلال عمرها القصير لم تضع التمايزات الطبقية والاجتماعية والسياسية والجغرافية والاقتصادية والثقافية نصب أعينها في إصدار القرارات والقوانين الناظمة لهذه الوحدة,فلم تراع الاختلافات القطرية والحزبية ولم تأخذها بعين الاعتبار,رغم أن القارئ والدارس لتأريخ مجمل الأوضاع المصرية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية,والتركيبة السكانية للمجتمع المصري يدرك أو يلمس حجم الاختلاف الكبير والشاسع عند المجتمع السوري,وذلك يعتبر من أهم عوامل الفشل لهذه التجربة,والتي ظهرت منذ بدايات إعلان الوحدة,إضافة لكل ذلك حجم المؤامرة التي تعرضت لها هذه التجربة سواء من العديد من الأنظمة الرجعية العربية التي رأت في الوحدة تهديداً لمصالحها ولسياساتها,وخاصة تلك السياسة التي أطلق عليها سياسة الأحلاف التي كانت احد أسباب إعلان الوحدة,إضافة للحرب التي شنتها القوى الاستعمارية ضد الوحدة المصرية-السورية,والعامل الأخطر الذي تطرقت له وهو الدولة العبرية التي وجدت بهذه التجربة اكبر أداة ممكن أن تهدد وجودها الذي لم يكن قد تبلور بعد,ويشتد عودة قوة.... إضافة لعوامل اقل أهمية كالبعد الجغرافي حيث شكل احد العوامل في فشل وانتهاء الوحدة المصرية-السورية..
عند عقد مقارنة مابين التجربة المصرية-السورية والتجربة اليمنية فإن هذا يتطلب الإسهاب والبحث مطولاً,ولكننا نعطي هنا ملامح عامة للمقارنة يمكن أن يجد بها المطلع مرشداً للبحث بأكثر تفصيلية,ولكننا أمام مقارنة سريعة لإيضاح أوجه المقارنة,والاختلاف بين كل من التجربة اليمنية والتجربة العربية الأولى,والتي لا يمكن مقارنتها سواء من حيث التكوين,أو العوامل المكونة والدافعة..
نعم نتفق أن التجربة اليمنية أيضا جاءت دون الإعداد الراسخ والاستراتيجي بضمان عوامل النجاح بنسبة مائة في المائة,ولكن التجربة اليمنية تكتسب كل عوامل النجاح من الواقع الذي تستند إليه وحدة الأراضي اليمنية, ووحدة العادات والتقاليد,والجذور العشائرية للأسر اليمنية,والوحدة الجغرافية لليمن التاريخي والتأريخ والمصير المشترك لليمن,والعديد من عوامل النجاح,وحقيقة لا يمكن لي أن أطلق على التجربة اليمنية تجربة وحدوية لأني هنا أتمنى على اليمن أرضا وشعباً وتأريخاً وإرثاً,ولكن المسمى الصحيح هو إعادة التلاحم الوطني لليمن الواحد,وتحطيم جدار الفصل القسري الذي فرض على الأسرة اليمنية وعلى الشعيرة اليمنية الواحدة,وليس على الوطن اليمني جغرافياً فحسب..
إذن,بإيجاز فان عقد أي مقارنة بين تجربة الوحدة المصرية-السورية,وتجربة التلاحم اليمني هو ضرباً من ضروب التجني,وتغذية لتبريرات أصحاب الشهوات الاستعمارية الانفصالية,الذين يجدوا في الانفصال أداة للتعبير عن شهواتهم وأطماعهم,وإزكاء لروح الانقسام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي,والثقافي,وعلية المقارنة أو المقاربة هي وسيلة عبث في فكر وثقافة أبناء اليمن والعرب عامة..
الوحدة وصعده:
خاض اليمن سابقاً عملية صراع طويلة ومريرة كان ثمنها تضحيات جسام من التماسك والثروات اليمنية سواء البشرية أو الاقتصادية,وكذلك الاجتماعية .
هذا الصراع الذي أثر عملياً على عملية التطور اليمني على كافة الصعد,ورغم هذه التضحيات,إلا أنها تكللت بأهم منجز وطني يمني تأريخي وهو إعادة اللحمة لليمن أرضا وشعباً وثروات..
وأشرت في عملية المقارنة مابين التجربة المصرية-السورية,والتجربة اليمنية إلى دور القوى الداخلية والإقليمية والدولية في إفشال تجربة الوحدة,هذا الدور الذي لا يمكن إغفاله أو تجاوزه أو التقليل منه,والاستهتار بدوره الفعلي والحقيقي في عملية التفكك والانفصال التي حدثت,وعليه فان الخطر دوماً يبدأ من الداخل أو من العمق المحلي,ومن هنا تبدأ عملية العراك التي أصبحت سلاح في أيدي هذه القوى التي بدأت تلجأ لاستخدام الطائفية أو المذهبية أو القبلية كسلاح فعال في تحقيق أهدافها وأغراضها,وهو الأسلوب أو الوجه الحديث الذي تستخدمه القوى الاستعمارية في حربها,وخير مثال لنا هنا لبنان,وما يحدث في العراق وفلسطين,فلجأ العدو المحتل بعدما فشل في كل وسائله وأدواته لاستخدام عامل إثارة النعرات الطائفية والمذهبية أو السياسية منها.واليمن بما انه يشكل احد البلدان التي تأتي في قمة الدول العربية التي تتكون من تكوينات اجتماعية تقليدية لها دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية, وتشكل أحد التركيبات الأساسية للنظام الاجتماعي الذي يؤثر بالنظام السياسي . هنا أبرزت الحالة دور هذه التكوينات التي بدأت تتخذ الشكل المنظم في إثارة الساحة اليمنية بعدما فشلت عملية الصراع الايدولوجي في حسم المعركة والصراع,والتي جوبهت بعملية مواجهة وحسم سياسية وعسكرية سريعة.
أما الصراع الحالي فهو مختلف عن الصراع السابق,فعملية الحسم هنا ليست بالأمر السهل واليسير بما إنها تواجه فئة اجتماعية تتمترس خلف معتقدات سواء مذهبية أو عقائدية أو سياسية,ولكنها في حالة صعده تصطبغ بالصبغة العقائدية-المذهبية وهذا مكمن الخطورة الحقيقة لعملية المواجهة,حيث أن الصراع سيتخذ الشكل المذهبي-العقائدي,وهذا ما تصبو إليه الأطراف المترصدة لنجاح الوحدة وعمليه البناء, أن الاشتباك ليس بين السلطة المركزية واحد الاتجاهات السياسية التي يمكن من خلالها إخضاعه لعملية حسم جماهيري وشعبي حول الفكرة الأساسية الوحدوية ومحاربة أي مظاهر انفصالية,ولكنه يتخذ ملامح الاشتباك الاجتماعي,أي الانقسام المذهبي العقائدي الذي يعتبر ذو مدلولات خاصة في واقعنا العربي,هذا الصراع له في أدبياتنا العربية تأريخ طويل من عملية الانقسام والفرقة,وكان احد عوامل انهيار الخلافة وانهزام الأمة,وعليه فمشكله صعده ليست مشكله منطقة جغرافية ترغب بالانفصال,أو مشكلة حزب وقوة سياسية وايدولوجية انشقاقية,بل هي مشكلة ذات أبعاد عقائدية-مذهبية تتطلب وعياً تاماً وقدرة عقلانية على التعامل معها ضمن منظومة اجتماعه-سياسية-ايدلوجية,هذه العقلية التي لابد وان يتم تشخيصها تشخيصاً سليماً ومنطقياً وعلمياً,والبحث عن استراتيجيات مناسبة للتعامل معها والتعرف عليها,وعلى دوافعها سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية,أي بحثها من جميع أوجهها,ومن ثم حلها حلاً عقائدياً أو اجتماعياً,بالقدر الذي يضمن مبادئ العدالة للجميع,ومفاهيم المواطنة,والهوية القومية للدولة,وتحديد أساس ومرتكزات وأيديولوجيات النظام السياسي العام الذي ينظم القوانين الدستورية التي يخضع لها المواطن بكل انتماءاته وشرائحه وفئاته,سواء الاثنية أو العرقية أو المذهبية أو الايدولوجية.مع الدفع بقوة المواطن اليمني في عملية المواجهة وإكسابها قوة الدفع الشعبية التي لا يمكن هزيمتها أمام أي محاولات تقزيم سياسي ومذهبي وعقائدي.
فالمسؤولية هنا مسؤولية مجتمع  بنظمه القانونية والعشائرية والفكرية باختلاف مشاربها وألوانها ومؤسسات المجتمع المدني,والنخب الثقافية,إضافة لمسؤولية النظام السياسي كأداة مركزية مهمتها تنفيذ المصلحة الوطنية العليا للوطن والمواطن.
خلاصة القول أن الوحدة اليمنية هي احد المكتسبات التاريخية,واحد أهم المنجزات العربية التي ولدت من عمق الانكسارات والهزائم والويلات التي عاشتها الأمة العربية-ولازالت-تعايشها حتى اليوم, فالحفاظ عليها مهمة وطنية وقومية تقع على كاهل ومسؤولية كل فرد عربي. وهذه المهمة لن تأتي دون العمل بعزيمة وجدية وبشكل واقعي بعيداً عن التنظير الفكري والسياسي,وبخطوات على الأرض سواء في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتي تتطلب دعماً عربياً رسمياً معنوياً، ومادياً ،وسياسياً.
الوحدة وتحديات التطور :
لا يمكن الحديث عن الحفاظ علي الوحدة وتماسكها وكيفيه تحدي ومواجهة التحديات المفروضة عليها دون تصور ممارسة حقيقية لعوامل التطور والديمقراطية ، هذه الممارسة التي تحتاج إلي مؤسسات فاعلة للمجتمع الذي لن يتحقق له ذلك دون نظام حزبي  ومدني يعكس مرونة الحركة والممارسة الفعلية من خلال المشاركة الشعبية في عملية صناعة القرار.
اليمن أحد الأقطار العربية التي استطاعت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي من العمل بالتعددية السياسية والحزبية وإطلاق هامش محدود من مساحة الحرية التي تمثلت في آليات انتخابية ، من خلال تقنين لدور الأحزاب وهنا يقصد إدراك النظام السياسي اليمني لحجم الأزمة التي يعيشها كباقي النظم السياسة العربية التي أصبحت تواجه مشاكل داخلية وخارجية ، وأن النظم الفردية التسلطية لم تعد تجدي ، فالنظام السياسي العربي الذي فشل في تحقيق أي ملامح نهضوية وتنموية ، ودمقرطة ، وضع هذه النخب الحاكمة أمام الاستسلام للضغوطات الخارجية وخاصة من الهيئات الدولية المانحة اقتصاديا التي اشترطت الديمقراطية ، والحريات كأحد اشتراطات المساعدات ، وعليه بدأت هذه النظم في إطلاق مزيدا من هوامش العمل الحزبي والمدني ، مع وضع محددات تتلاءم وحاجاتها ومصالحها ولا تخرج عن الخط الذي يبتغيه النظام .
واليمن كنظام سياسي أدرك هذه المساحة التي يجب أن يتحرك وفقها ، فكانت مظاهر التعددية التي تنمو في قالب محاصر بجملة من القيود القانونية والدستورية ، ورغم ذلك استغلت هذه الأحزاب هذا الهامش فأخذت زمام المبادرة لخلق واقع جديد تجد من خلاله بداية الغيث لترسيخ دعائم الوحدة ، والمشاركة في عملية الدمقرطة الشكلية وطقوسها .
إلا أنه ورغم هذه التطورات فهي لا زالت قاصرة غير مؤهلة للحفاظ علي المكتسبات الوطنية الوحدوية التي تتطلب عملية بناء راسخة ومدعمة بعوامل النجاح وذلك من خلال مواجهة التحديات المتمثلة بضرورة تفعيل دور المؤسسات التي تشكل جوهر المجتمع المدني ، والتي يقع على كاهلها عملية تفعيل المشاركة في العملية التنموية الشاملة ، ورسم السياسات والخطط طويلة وقصيرة الأمد التي تؤدي إلي نقله نوعية للمجتمع اليمني بكافه أوجهه ، مع إعادة صياغة وقولبة القوانين الدستورية التي تنقل الوحدة اليمنية من المواجهة إلي التثبيت وتتواكب وروح التطورات العلمية والثقافية والديمقراطية التي يعيشها العالم أجمع.
أما الصورة الحالية لحالة النظام اليمني السياسية لا زالت هي نفس الصورة التي يمكن التقاطها لجميع النظم السياسية العربية ، التي حورت وتحور مفاهيم الدمقرطه ، والمشاركة السياسية بما يتوافق ومصالح النخب  الحاكمة وأهدافها .
فاليمن اليوم يخطو خطوات نحو ترسيخ وتأكيد عوامل الوحدة التي بدأتها مع نهايات القرن الماضي ، ورغم ذلك فإنها لا زالت تسير ببطء في اتجاهات التطور الاجتماعي وقوانين الضبط الاجتماعي التي ترسخ الهوية الوطنية كأولوية للانتماء ، والقضاء علي التمايزات الطبقية التي أفرزت طبقتين أحداهما برجوازية تسيطر على الاقتصاد والقرار والسلطة وهي الطبقة التي تتقوقع في قمة الهرم بعيدا عن الإحساس بالفجوة بينها وبين الطبقة الفقيرة المسحوقة التي تعاني من الفقر والبطالة ، وغلاء الأسعار ..الخ . في وقت تغيب به أهم الطبقات التي يمكن أن تقود عملية التغيير وهي الطبقة الوسطي هذه الطبقة التي حصرت في المثقفين فقط ولم تقم بدورها الهام والحيوي ، وتعاني من انحصار شامل فلم تستطع التوسع لتشكل قاعدة أساسية تقود من خلالها عملية المواجهة والتغيير .
هنا لست بصدد تناول التركيبة الطبقية اليمنية وإنما المستهدف هو مدي استجابة النظام السياسي اليمني لعوامل التطور التي تعتبر أحد المكونات الرئيسية لعملية الوحدة اليمنية ، وأحد المكونات الرئيسية للحفاظ عليها وترسيخها ، والانطلاق بها لواقع الوجود والتحدي وضمان الاستمرارية والقدرة علي عملية المواجهة التي تجد نفسها في دائرتها حاليا .
فالبيئة الداخلية أصبحت بيئة متحركة لا تعتمد على قوانين الثبات ، فهي معرضة للحراك المصاحب لعملية الاستجابة للتطور والانفتاح الفكري ، والثقافي ،والاجتماعي الذي بدأ يتغلغل للمجتمع اليمني وخاصة فئة الشباب والمثقفين الذين بدأوا بصياغة هيكل مطالباتهم واحتياجاتهم في عملية التنمية الشمولية ، والمطالبة بها كأولوية حتمية وضرورية تتوافق مع تطورات البيئة الخارجية المحيطة باليمن سواء من خلال تعرض اليمن لعملية ضغوط أفرزتها حرب الخليج الثالثة والتي أعادت رسم الخريطة السياسية في المنطقة ، وهو ما يتطلب إعادة صياغة للاستراتيجيات السياسية والتنموية والاقتصادية ، والإعداد لمواجهة التغيرات التي ربما تتعرض لعملية نقد وصراع شديد مع المكون الفكري الاجتماعي للشعب اليمني الذي يتميز بعروبته المتأججة ، وهي الميزة التي ينفرد بها أو يتميز بها المجتمع المدني عن باقي المجتمعات العربية الأخرى ، وانحياز كلي للقضايا العربية ، والمدلولات الأيديولوجية التي تترسخ في الفكر الشبابي اليمني مثل شعارات القومية والناصرية ...الخ وجميعها أفكار عروبية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار في عملية التفاعل الإجمالية ما بين إفرازات حرب الخليج الثالثة وعملية التنمية والاستجابة لمتطلبات الواقع الاجتماعي اليمني.
فالوحدة اليمنية هي وحدة فكرية وتحتاج لعوامل خاصة لاستكمال هذه التجربة ، وتفعيلها على كافة الصعد الأخرى . والتي لن يتم لها النجاح والثبات إلا من خضم الاستجابة لعوامل التطور المحيطة ، والانفتاح علي عمليات التطور سواء علي صعيدها الداخلي أو الخارجي .