الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - دنيا الإعلام - هل فريضة الامر بالمعروف وسيلة تحرر ام تسلط ؟
هل فريضة الامر بالمعروف وسيلة تحرر ام تسلط ؟
الساعة 12:00 صباحاً البديلخاص محمد ناصر البخيتي

في خضم الجدل الاعلامي حول تأسيس هيئة حماية الفضيلة "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" لاحظت ان المؤيدين لانشائها يستندون الى النصوص القرانية والنبوية وكأن المعارضين لانشائها يعارضون تلك النصوص, لهذا ساحاول في هذا المقال تقييم هذة الهئية من الناحية الشرعية.

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة اسلامية مثلها مثل بقية الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج ولا يكتمل دين المسلم الا بادائها. وعليه فان ترك هذة الفريضة يساوي ترك الصلاة او غيرها من الفرائض.

الا ان المشكلة هي في الفهم القاصر لهذة الفريضة من قبل المطالبين بانشاء هيئة خاصة لها في مقابل إحتكارهم لادارتها.

والفهم القاصر لهذة الفريضة نابع من عدم ادراك الهدف الحقيقي لها والجهل بوظيفتها, لذا لابد من بيان هدف ووظيفة هذة الفريضة.

           بيان وظيفة وهدف فريضة الامر بالمعروف  

                          والنهي عن المنكر.  

فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تفرض على الفرد المسلم ان يتحمل جزء من المسؤولية العامة في سبيل الحفاظ على المجمتع وحمايته  من المفاسد ايا كان نوعها او مصدرها.

وقد بين الرسول (صلى الله عليه وعلى اله) اولويات هذة الفريضة حيث قال: ( ان اعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر).

وهذا يدل على ان اولوية فريضة "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" هي اصلاح الحاكم الفاسد لان الناس على دين ملوكهم واذا ما فسد الحاكم فسد المجتمع واذا ما صلح الحاكم صلح المجتمع. 

وتأكيدا على هذة الاولوية حذر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) من محاولة اصلاح المجتمع عبر اقامة الحدود الشرعية على الضعفاء وترك الاقوياء واعتبر ذلك دليلا على انحطاط المجتمع حيث يقول:( إنما اهلك الذين من قبلكم انهم اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد). ونستشف من هذا الفهم المحمدي الاصيل ان فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هي وسيلة لتحرير الانسان من الخضوع للظلم ولحماية المجتمع من الوقوع في يد الحاكم الظالم الذي يحول الوطن الى غنيمة وملك خاص لاشباع شهواته ونزواته. ومن خلال هذا الفهم ندرك ان خير من يقوم بدور الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع اليمني الان هم اولئك الناشطين في مجال حقوق الانسان وفي محاربة فساد السلطة الحاكمة.

وبمراجعة فهم الزنداين والذارحي ومن على نهجهم, نجد انه يعاكس الفهم الديني الاصيل لفريضة الامر بالمعروف والتي وضع اسسها سيد الخلق والمرسيلن محمد ابن عبد الله صلوات ربي عليه وعلى اله.

فنراهم يدافعون عن الحاكم الظالم ويجعلون من طاعته واجب ديني حتى وان اغتصب حقوق الناس وجلد ظهورهم, بينما نراهم يسارعون الى اقامة الحدود على الضعفاء والفقراء والمهمشين وبصورة تخالف الكثير من القواعد الشرعية الاخرى والتي ساشير اليها لاحقا.

وهكذا تصبح فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اداة للتسلط على المستضعفين وتصبح القضية تقاسم  التسلط بين الحاكم وعلماء السلطان.

لذا لم يكن غريبا ان تستفتح هيئة حماية الفضيلة عملها بالامر بالمنكر "الحرب" والنهي عن المعروف "الصلح".

ففي اول مؤتمر لهيئة الفضيلة استشهد الزنداني بالقران والسنة لاثبات شرعية انشاء هذة الهيئة معتبرا المعارضين لها من المتقدمين للنار, وعندما افتى الزنداني "في نفس المؤتمر" بالحسم العسكري في صعدة لم يجد ما يستشهد به على فتواه من النصوص القرانية والنبوية لانها تحرم سفك الدماء وتعتبر سفكها من اقبح المنكرات. لذا لجأ الشيخ الزنداني للجمهور قائلا لهم: («هناك أناس يطرحون قضية صعدة.. ما رأيكم..؟» وهنا انتفض أربعة أشخاص كانوا في مقدمة الصفوف يهتفون: «الحسم العسكري..» ومن ثم  زاد العدد فابتسم الشيخ الزنداني وقال: «الحسم العسكري سيكون من ضمن مطالب ملتقى الفضيلة الأول..»).

وهنا نتساءل كيف فات الزنداني قول الله سبحانه وتعالى: ( من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ) المائدة 32.

وهذا يؤكد ان الزنداني ومن معه لا يتصرفون وفق النصوص والقواعد الشرعية وانما حسب اهوائهم, فما وافق أهوائهم اخذوا به وما خالفها ضربوا به عرض الحائط. يقول الله سبحانة وتعالى في هؤلاء: (افرايت من اتخذ الهه هواه واضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله افلا تذكرون ).

وتصرف الزنداني ومن معه يشبه تصرف حملة الشريعة من بني اسرائيل الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض, يقول الله سبحانه وتعالى فيهم: (ثم انتم هؤلاء تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالاثم والعدوان وان ياتوكم اسارى تفادوهم وهو محرم عليكم اخراجهم افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) البقرة 85.

والايمان ببعض الكتاب  والكفر بالبعض الاخر بما يوافق الاهواء يعتبر من المتاجرة  بالدين وقد حذر الله سبحانة وتعالى من المتاجرة بالدين, قال تعالى: (ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك ما ياكلون في بطونهم الا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم ) البقرة 194

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وعلى اله من المتاجرة بالدين حيث قال: (أتتكم الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل).

والان تعالوا نضع النصوص الدينية جانبا و نستوفي نقاش قضية هيئة الفضيلة التي اسسها الزنداني من الناحية العقلية. 

فمن الواضح للجميع "بمن في ذلك الزنداني نفسه" ان الفساد في ادارة موارد الدولة وتجدد الحروب الداخلية قد تسبب في تدهور الحالة الاقتصادية لدرجة   دفعت ببعض النساء لممارسة الرذيلة لكسب لقمة العيش.

لذا كان من المفروض ان يذهب الزنداني والذارحي الى رئيس الجمهورية وينصحاه بوقف الفساد و وقف حرب صعدة لان احوال الناس قد ساءت لدرجة دفعت بعض النساء لممارسة الرذيلة. واذا ما توقف الفساد وتوقفت الحرب فان احوال الناس الاقتصادية سوف تتحسن ولن تضطر بعض النساء لبيع اعراضهن.

وكان بامكان الزنداني والذارحي ان يطالبا بجزء من الاموال التي يمكن توفيرها من جراء وقف الفساد و وقف الحرب واستثمارها في ايجاد فرص عمل  لأُولئك النساء لتمكينهن من العيش بكرامة, بدلا من عقد صفقة تحمي الفساد وتؤجج الحرب وتؤدي الى المزيد من تدهور الحالة الاقتصادية بما يدفع المزيد من النساء لممارسة الرذيلة.

الامر الاخر الذي استغرب له هو ان الحكومة تمنح تراخيص عمل للراقصات وفي نفس الوقت منحت الزنداني والذارحي ترخيص اخر لملاحقة الراقصات.  وهذا يذكرني بحلقات توم وجيري الكرتونية التي تصور قصة صراع لا تنتهي بين القط والفار بهدف تسلية المشاهدين.

 فهل اصبحنا اليوم امام قصة صراع جديدة ابطاله هيئة الفضيلة والراقصات؟

و نتسائل, الم يكن من الاولى لزنداني والذارحي مطالبة الحكومة بالغاء تراخيص عمل الراقصات قبل المطالبه بترخيص اخر يسمح بملاحقتهن؟

يتضح مما سبق ان هدف الزنداني والذارحي لم يكن خالصا لوجه الله وانما ارضاء لرغبتهما التسلطية وعملا وفق طبيعتهما الانتهازية بهدف الاستئثار بالساحة الدينية. ومن المناسب ان نشير هنا الى موقف حسين الحوثي عندما كان الزنداني مهددا بتسليمه لامريكا ونقارنه بموقف الزنداني اليوم. يومها وقف حسين الحوثي وحيدا في ظل صمت كل علماء السلفية ليعلن معارضته لتسليم الزنداني قائلا: رغم اننا نكر هذا الرجل "اي الزنداني" الا اننا نرفض تسليمه لامريكا لانه مواطن يمني. لقد كان حسين الحوثي يكره الزنداني "وله الحق في ان يكره رجلا جُل همه اصدار فتاوى التكفير وسفك الدماء" الا انه لم يكن انتهازيا. فكم كان حسين الحوثي كبيرا بموقفه ذلك وكم كان الزنداني صغيرا بموقفه هذا.

مفاهيم خاطئة.

هناك المزيد من المفاهيم الخاطئة حول فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في ذهنية المتحمسين لانشاء هيئة خاصه بها و نورد منها التالي.  

-        حصر فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في جماعة محددة وفي مذهب معين يخالف الشرع لان هذة الفريضة واجبه على كل مسلم ومسلمة مثلها مثل بقية الفرائض, ولا يجوز احتكارها بأي حال من الاحوال.

-        طريقة عمل هيئة الامر بالمعروف يخالف الكثير من القواعد الشرعية. ومن هذة المخالفات التجسس على الناس والله سبحانه وتعالى يقول:( ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا). انتهاك حرمات البيوت والله سبحانة وتعالى يقول: (يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستانسوا وتسلموا على اهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون).

-         اقامة الحدود من قبل افراد الهئية "كما يحصل في بعض المدن" يخالف الشرع لان مهمة اقامتها من صلاحيات الحاكم الشرعي وليس الافراد.

-        حصر تطبيق وظيفة الامر بالمعروف على الضعفاء واستثناء الاقوياء يخالف الشرع. وهذ الامر واضح في عمل الهيئة سواء في السعودية او في اليمن. ففي السعوديه يبقى الامراء والمسؤولين الكبار واصحاب رؤوس الاموال خارج صلاحيات الهيئة. وهناك اماكن يُحضر على رجال الهيئة دخولها ومنها المنتجعات الساحلية والاسواق المغلقة وغيرها.

خاتمة.

من المؤكد ان لجوء بعض النساء في اليمن للمارسة الرذيلة لكسب لقمة العيش نتيجة لتدهور الحالة الاقتصادية يعتبر جرح مؤلم لأي يمني. ورغم اني كنت اكتم هذا الجرح الا انه كان اهم دافع بالنسبه لي للسعي  في سبيل معالجة الفساد في ادارة الدولة والذي يعتبر سبب كل المفاسد والبلاء. لم اكن الوحيد الذي يكتم هذا الجرح ويسعى لمعالجته بل كان هنالك الكثير من الشرفاء الذين يحملون نفس الهم ولم يكن ينقصنا الا ان يأتي الزنداني والذارحي للنكاية بهذة الجرح بصورة فجة وقبيحة. فلو كانا حريصين على معالجة هذا الامر لطالبا الحكومة بتغيير سياستها في جذب السياح ووضع عقوبات رادعة بحق اي سائح يزور اليمن بهدف السياحة الجنسية, ولطالبا بألغاء تصاريح عمل الراقصات قبل المطالبه بترخيص عمل للهيئة. ولو كانا يملكان ادنى مشاعر الشرف والغيرة لما كانا من المؤججين للحروب الداخلية التي دمرت اقتصاد البلد ودفعت ببعض النساء للمارسة الرذيلة ودفعت بعشرات الاف الاطفال "من الذكور والاناث" للتسول في الشوارع وفي دول الجوار.

 فعن اي شرف وعن اي غيرة تتحدث عنها يازنداني و ياذارحي؟

محمد ناصر قائد البخيتي

[email protected]