الرئيسية - اقتصاد - معضلة الإدارة المالية في الجهات الحكومية
معضلة الإدارة المالية في الجهات الحكومية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

احمد ماجد الجمال –

من الضروري أن يرتفع مستوى تقييم الإدارات المالية في الجهات الحكومية من قبل الأجهزة الرقابية للتحقق من مدى التزامها واتساقها مع الأنظمة والتعليمات المالية النافذة ومن خلال هذا التقييم يمكن استجلاء صورة شاملة عن فعالية الإدارة المالية بأجهزة الدولة. من المفاهيم الشائعة للإدارة المالية في أية جهة حكومية ارتباط مفهومها بالإجراءات المالية والمحاسبية فقط أي أن عمل الإدارة المالية يتمثل في تسجيل الإيرادات والنفقات في الدفاتر والسجلات والقيام بإعداد أوامر واستمارات الصرف والتحصيل وأذون التسوية وصرف المستخلصات من خلال الدورة المستندية, وإعداد الحسابات الختامية. وقد تسرب المفهوم السابق إلى الإدارات العليا في كثير من الجهات الحكومية حيث لا يطالب المسؤولون الإدارات المالية بوظائف أو معلومات أكثر من الإجراءات المحاسبية المعتادة بل إنه في بعض الجهات لا تطالب الإدارة العليا بأي معلومات مالية من الإدارات المالية ويقتصر الاطلاع على مسؤولي الشؤون المالية فحسب وهذا يعطي انطباعاٍ غير إيجابي عن أداء الإدارات المالية في الجهات الحكومية وعن أداء الإدارة المالية للدولة ككل . صحيح أن النظام المحاسبي الحكومي يعد جزءاٍ مهماٍ من وظائف الإدارة المالية إلا أنه لا يمثل جميع عمليات وأنشطة الإدارة وبالتالي فإن هناك وظائف أخرى مهمة تم إهمالها بالرغم من أنها تمثل الوظائف الرئيسية للإدارة ومن أهمهما: التخطيط المالي وتحليل البيانات والمعلومات المالية ودراستها بالإضافة إلى وظيفة التنظيم و الرقابة والمتابعة, وافتقادها لأسلوب علمي متبـع يقتضي تحديد المعضلة وتجميع معلومات عنها وتحديد وتحجيم المعضلة من كافة الجوانب وتجميـع معلومات كافية عنها قد يقول قائل: «إن الإجراءات النظامية غير المناسبة والضعف في النظام المحاسبي الحكومي الحالي واللوائح, والقائمين على الإدارة المالية ونظام الموازنة الذي لازال حتى تاريخه في مرحلة التحول من نظام البنود التي ترتكز على المدخلات بدل التركيز على المخرجات تؤدي جميعها إلى تقويض إمكانية تحقيق الأهداف المرجوة من سياسات المالية العامة وتعيق تحقيق الأهداف المرسومة لصالح المجتمع وجميع هذه العوامل هي التي أدت إلى «ضعف الإدارة المالية» وعدم الاعتماد على أعمالها سوى الإجرائية «فقط.» وهذا القول في مجمله صحيح ولكن هذا لا يعني أن لا تقوم الإدارة المالية بجميع أعمالها على الشكل المطلوب فعلى سبيل المثال من المهام الرئيسية للإدارة القيام بإعداد مشروع (الموازنة) وذلك بالتعاون والتنسيق مع الإدارات الأخرى في الجهة الحكومية وهذه الوظيفة تتعلق بشكل مباشر بالتخطيط المالي والواقع في عملية التخطيط هذه أن يتم إعداد الموازنة بدون أسس ومعايير علمية واضحة وإنما يتم التقدير بناءٍ على مؤشرات وتقديرات قديمة أو باجتهادات شخصية بحتة,أو لأهواء تتجلى فيها المصالح والمنافع الخاصة والدليل على ذلك إجراء المناقلات بين بنود وأنواع الموازنة عند تنفيذها وفي الغالب دون وجود مبررات ودلائل حقيقية واضحة وصحيحة بالإضافة إلى اختلال الأولويات والأهمية النسبية للإيرادات بمجملها وكل أنواعها ولكثير من بنود الإنفاق ,فمثلاٍ كيف يتم وضع مشروع يتعلق بالبنية التحتية بأهمية أقل ومشروع يتعلق ببناء بوابة لمرفق أو استراحة بأهمية أعلى¿ وكيف يتم النقل من بند لمشروع حيوي إلى بنود مصاريف الأثاث وشراء السيارات والحوافز والمكافآت الاستثنائية والنثريات لمهام ذات غير جدوى, أو المصاريف السفرية أو التدريب الداخلي والخارجي ¿ وكيف نفسر الصرف العشوائي في نهاية كل سنة مالية¿ ليس هذا فحسب بل إن بعض الجهات الحكومية لا تستشير إداراتها على الإطلاق عند تقدير مشروع بنود الموازنة! وهذا القصد بالتحديد عن غياب وظيفة التخطيط المالي في الإدارات المالية. .أما بالنسبة لوظيفة التحليل المالي فهناك ضعف واضح واختلال في كثير من الإدارات المالية بسبب افتقارها إلى أدوات وأساليب التحليل وغياب الكادر الكفؤ وغياب المؤشرات المالية فليس هناك حرص من قبل الإدارات العليا على التقارير المالية بشكل عام وبالتالي لا تحرص الإدارات المالية على إجراء هذا التحليل فمثلاٍ ما هي نسب مؤشرات الصرف من الموازنة في كل شهر¿ وأي من البنود والأنواع تتركز فيها نسب الصرف ولماذا¿ وهل يتم مقارنة النسب بالأعوام أو الأشهر الماضية ويتم تحديد الاختلافات وأسبابها¿ ما هي نسب المناقلات بين بنود الموازنة ولماذا¿ وهل يتم تحليل ومقارنة الحسابات الختامية لآخر ثلاث سنوات مالية مثلاٍ¿ وإذا تم ولكن بشكل صوري لأرقام صماء فقط دون التحليل الفني والمالي والقانوني……..الخ الموضوعي توضح فيه بالدلائل والمستندات مكامن الفساد والمخالفات المالية كالرشوة والسرقة والاختلاس والتزوير والتدليس وغيرها من نقاط الاختلال جميع الأسئلة السابقة تمثل تحليلاٍ مالياٍ بسيطاٍ جداٍ تم طرحها للتوضيح فقط حيث توجد أدوات تحليل أخرى معقدة ومتطورة جداٍ للتقارير المالية. أما بخصوص وظيفة التنظيم والرقابة فتركت هذه الوظيفة للأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة (للرقابة اللاحقة) ووزارة المالية (للرقابة المصاحبة) والمشكلة هنا تتمثل في ضعف الاتصال وإذا حدث يكون ظرفي و في أن نوعية هذه الرقابة تتعلق بالإجراءات المستندية وتهمل الوظائف الأخرى للإدارة المالية علماٍ بأن بعض الجهات الحكومية لديها قسم داخلي خاص بالتدقيق والمراجعة المستندية قبل الصرف وبعض الجهات التي لديها وحدة للمراجعة الداخلية تقوم بالتدقيق المستندي بعد الصرف وعليه فإن التنظيم الإداري الداخلي للإدارة المالية لا يخضع للرقابة سواء من داخل الجهة نفسها أو من خارجها إلا في ادني مستويات الرقابة والمراجعة الشكلية. والجدير بالذكر أن مسؤولية التنظيم والرقابة هي من مسؤوليات الإدارة المالية نفسها في المقام الأول فهي مسؤولة عن توزيع المهام والصلاحيات بين الموظفين ومسؤولة عن تطبيق الهيكل التنظيمي المعتمد لها ومسؤولة عن الإجراءات الرقابية داخل الإدارة ومسؤولة عن إعداد التقارير المالية والحسابات ومسؤولة عن جودة نتائج ومخرجات الأعمال والأنشطة المالية أيضا.ٍ. هناك عوامل وقيودا تراكمت عبر سنوات أثرت على كفاءة الإدارة المالية في كل الجهات كما أن طبيعة وأنشطة هذه الإدارة تختلف من جهة حكومية إلى أخرى ولكن من الضروري جداٍ التركيز على الوظائف الأساسية للإدارة (التخطيط التحليل التنظيم والمتابعة والضبط) والتي تؤكد عليها الأنظمة والتعليمات فعند تصفح أي دليل تنظيمي لأية وزارة حكومية فسنجد أن هذه المهام تمثل الاختصاصات الرئيسية للإدارة المالية. ومن الضروري أيضاٍ أن يتم تقييم الإدارات المالية بمستوى أعلى مما هو قائم حالياٍ في تلك الجهات من قبل الأجهزة الرقابية للتحقق من مدى التزامها بالأنظمة والتعليمات المالية النافذة ومن خلال هذا التقييم الجيد يمكن استجلاء صورة شاملة عن فعالية الإدارة المالية للدولة ككل وخاصةٍ عند دراسة وتحليل الحساب الختامي للدولة بصفة عامة ومقارنته بنتائج هذا التقييم دون المحاولة للابتعاد عن نتائجها الحقيقية بكل عيوبها أو التملْص من نقاط الضعف بها. باحث بوزارة المالية