الرئيسية - تحقيقات - البديل عن مخرجات الحوار والتوافق هو الدمار والخراب(2-2)
البديل عن مخرجات الحوار والتوافق هو الدمار والخراب(2-2)
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

■ اليمنيون قادرون على تجاوز جراحاتهم والانفتاح على قوانين المستقبل القاضية بالتغيير

■ الحملات العسكرية ضد القاعدة تقتضي حملات موازية ضد المليشيات المسلحة التي تقطع الطريق وتفجر أنابيب النفط وتعتدي على الكهرباء

■ النجاة من العقاب بداية لاحتراف الجريمة والقصاص أنجع لحماية الناس والراهن يقتضي الإقرار بإصلاح لا يستثني طرفاٍ

تعددية المناهج الدراسية انعكاس للإقامة النمطية في الماضي والحل الدولة الراعية للجمع التعددي على قاعدة التعايش

يواصل المراقب السياسي الدكتور عمر عبد العزيز تشخيص الواقع اليمني طارحاٍ رؤى وتوقعات لمقتضيات ما بعد الحوار الوطني الشامل وعتبات تنفيذ المخرجات مستشفاٍ براويز الصورة الذهنية والحركة البنيوية لمستقبل اليمن الاتحادي ومضامين الحكم الرشيد.. الدكتور عمر عبد العزيز قدِم في حواره لـ الثورة صورة واضحة المعالم حول ملف الحرب على الإرهاب والجماعات والمليشيات المسلحة وممكنات تمدينها وفق مرحلتي الاختيار والجبر معرجاٍ على الحدود الفكرية والثقافية لمعضلة تعدد المناهج المدرسية والتعليمية في اليمن.. فإلى تفاصيل الحلقة الثانية والأخيرة في هذا الحوار..

* كعضو في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.. ما هي قراءتكم التوقعية لمستقبل نتائج ومخرجات هذا الحوار.. ¿ – نحن اليوم على مسافة حرجة ما بين التمسك بمخرجات الحوار والدمار تلك المسافة التي يمكن ملاحظتها من خلال الجدل الصراعي بين ثنائية الحوار الوطني الذي يتوق الأخيار إلى استكمال عتبات مخرجاته بالتنفيذ والدمار الشامل الذي يتوق الأشرار إلى تعميمه. إنها المسافة ما بين نعم ولا والشاهد أن قول (نعم) يتِصل موضوعياٍ بقانون التاريخ والحياة ويتِسق مع التغيير بوصفه المخرج المنطقي من الاحتقان فيما تمثل (لا) حالة الإقامة السرمدية في تلك الأوضاع التي استنفدت عملياٍ شروط بقائها وأصبحت تثقل كاهل الدولة والمواطن معاٍ ومن هنا كان الحوار وما زال يمثل استجابة عاقلة لمقتضيات التاريخ والحقيقة فيما يمثل رفض مخرجات الحوار التوافقية إصراراٍ على التحليق خارج سرب التاريخ والحقيقة… * تحديداٍ دكتور إلى أين وصل فرقاء السياسة بمخرجات حوارهم الذي كان علامة فارقة في مسار الصراع السياسي..¿ – لا يبدو في الأفق أن فرقاء الساحة اليمنية قادرون على تعمير الفراغ المؤسسي الفادح الذي قد ينشأ غداٍ أو بعد ولم تْمكن التجربة المريرة فرقاء الساحة السياسية من التخلي عن ثقافة المكايدات والتمترسات والاستقطابات.. لكن الاشتراط الأهم في هذا الاتجاه من أجل بلوغ مخرجات حوار الرشد إلى خواتيمها المطلوبة يقتضي من اليمنيين مزيداٍ من أعمال العقل وتغليب الحكمة على الطيش والنزق السياسي في هذه الظروف الصعبة.. اليوم تتسارع عقارب الساعة لتضع اليمانيين أمام استحقاق كبير يتعلِق بضرورة استكمال مهام تنفيذ مخرجات الحوار الوطني والانتقال لمرحلة توافقية جديدة تقطع الطريق على الفراغ السياسي والمؤسسي المحتمل وتْبادر فيها القوى الخيرة لمقارعة المجرمين المنتشرين في كل واد ودار وتنطلق فيها ذاكرة الخير والمستقبل صوب المعاني الرفيعة لمعنى التغيير. ألا فليعلم السادرون في غيهم ومتاهاتهم بأن البديل عن الحوار والتوافق هو الدمار والخراب وأنه لا منجاة لأحد من الموت السيكولوجي إن لم يمت بالسيف وإن ثقافة الحرب البليدة ستخلق قوانينها الداخلية العجفاء وأشاوسها من مجرمي الساعات الأولى للانفجار وسيخرج الشر المستطير من مرابع سجنه المديد وستشهد شوارع المدن الكبرى ما شهدته بيروت ومقديشيو ذات يوم غير بعيد. * ماذا تتوقعونه في الأيام القادمة على صعيد استكمال هذا الاستحقاق..¿ وما المدخل الطبيعي لمواجهة تحديات المرحلة.. ¿ – الأيام القادمة حْبلى بالشواهد والمشاهد وستمثل في جْملة ايقاعها المحتمل مخرجاٍ مشرفاٍ إذا توافق الخيرون العقلاء على صد موجة التدمير الذاتي لفرقاء التدمير والدمار وباشروا مناجزة مريرة مع المتمترسين وراء أوهام ماضيهم الخائب وأدركوا أن الفعل الحاسم في الانتقال من العْسر إلى اليْسر يقع أولاٍ وثانياٍ وثالثاٍ على عاتق الداخل اليمني وأنه لا حلول سحرية في المستويين الإقليمي والدولي ستخرج اليمنيين من حالتهم التي لا تسر صديقاٍ… أما المدخل الطبيعي والمنطقي لمجابهة التحديات الماثلة فيكمن في عدم السماح بفراغ سياسي ودستوري سيزيد الطين بلة وعدم التهاون مع مجرمي الاعتداء على خطوط نقل الكهرباء والنفط والغاز وعدم ترك القتلة يتجوِلون في المدن والقرى اليمنية وعدم تعليق الإجراءات القابلة للتنفيذ وجوباٍ وشرعاٍ وقانوناٍ وعدم الاستغراق في وهم المعالجات بالترحيل والاعتماد على الغير والتخلي التام عن سياسة اليد السْفلى التي يستمرئها البعض ويعتبرونها مخرجاٍ لمشاكل البلاد والعباد مْتناسين أن الآخرين يقدمون المساعدات العابرة لاعتبارات طارئة وليسوا في وارد الالتباس التام بمشاكل الجوار الإقليمي. * في هذا الاتجاه ماذا تقولون للقوى السياسية اليمنية التي تتصارع فارضة أجواء خانقة من التعقيد .. ¿ – ما أود قوله ويدركه الكثير من العقلاء هو أن المسألة اليمنية قد بلغت ذروة مخاضها الأليم ولم يعد في الوقت متسع للمكايدات والمناورات السياسية قصيرة النظر ولم يعد لدى مواطني البلاد رصيد إضافي من الصبر وهم الذين تحملوا أوزار سنتين كاملتين من ظلام المدن وهجير الصيف الحارق وارتفاعات الأسعار المتتالية وغياب المنظومة الأمنية وتراجع هيبة الدولة.. لم يعد في الوقت مْتِسع لأن الكل بانتظار انتقالة حاسمة نحو خيار من اثنين: تتويج الحوار بفعل يستقيم على الأرض بقوة القانون ومعنى الدولة والمؤسسة.. أو تدمير ما تبقِى من مقدرات سيدفع كل طرف إلى التخندق في مربع ما قبل الدولة لا سمح الله.. أما إذا تم إنجاز المهام المتعلقة بترجمة مخرجات الحوار الوطني كما هو مخطط فإننا نكون قد اجترحنا مأثرة غير مسبوقة في العالم العربي فالتوافقية السياسية اليمنية التي تساوقت مع مرئيات المبادرة الخليجية دلِلت على درجة كبيرة من الحكمة والاعتبار من مآسي الماضي القريب كما دلِلت على أن اليمانيين قادرون على تجاوز جراحاتهم والانفتاح على قوانين المستقبل القاضية بالتغيير ولا شيء سوى التغيير..

الحرب على الإرهاب * تقف اليمن على حرب مفتوحة ضد الإرهاب.. فكيف تقيم الحملة العسكرية الشاملة ضد تنظيم القاعدة..¿ – الحملة العسكرية الشاملة في محافظتي أبúين وشبوة والتي شنها الجيش اليمني بمساعدة اللجان الشعبية هي الثانية من نوعها.. لكنها هذه المرة تختطْ استراتيجية جديدة بعد أن تيقِن الجميع بأن الحملة الأولى انتهت إلى سلسة من الاغتيالات المستهدفة للقيادات العسكرية بما في ذلك الضباط وصف الضباط والمشتغلين في وزارتي الدفاع والداخلية ولهذا السبب قدمت القاعدة المبرر الكافي للشروع في الحملة الثانية حتى لا تتحول المؤسسات العسكرية والأمنية النظامية إلى هدف مكشوف للقاعدة ومن يساندها والحقيقة أن تنظيم القاعدة في اليمن لا يختلف من حيث الجوهر عن نظرائه في العالمين العربي والإسلامي ولا يتميز بعقيدة سياسية مختلفة عن بؤر انتشاره في كل أرجاء العالم غير أن ما يميز وجود هذا التنظيم في اليمن كما في أفغانستان والصومال وباكستان والعراق إنه يتوفِر في هذه المناطق على حواضن مثالية لمشروعه الألفي الإستيهامي العابر للقارات والحدود فالأصل في معادلة المْنتمين للإسلام السياسي الطْهراني أنهم لا يؤمنون بالدولة القطرية العربية بل والكيانية العربية الإفتراضية المنفصلة عن الكيان الإسلامي الشامل ومن المثير للدهشة أن كلا الكيانين الافتراضيين للعرب والمسلمين لهما حضور ممتد في واقع الحال عربياٍ وإسلامياٍ فالدولة القطرية العربية هي الأساس في المعادلة الحياتية الواقعية والدولة الإسلامية المقرونة بحلم الخلافة تنسد أمامها الآفاق حالما ندرك أن التاريخ يمضي إلى الأمام ولا يعيد إنتاج نفسه بالكيفية التي يتصورها من لا يقرأون التاريخ قراءة منطقية محكومة بنواميسه وقوانينه الموضوعية.. القاعديون في اليمن واجهوا الحملة الأولى للجيش بفعل ارتدادي عاصف استهدف العسكريين وتجوِل في الأماكن المختلفة وتمكِن من قتل كوكبة من خيرة الأسماء والرموز وفي تقديري أن رد الفعل المحتمل بعد الحملة الثانية لن يكون بعيداٍ عن ذات المسار ولهذا السبب لا بد للمؤسسة السياسية اليمنية من متابعة العتبة التالية للحملة العسكرية الماثلة علماٍ بأن العتبة التالية ستكون أشد ضراوة من الحملة السابقة ذلك أن ما سيلي لن يكون مْجيِراٍ على قوى خفائية شبحية كتنظيم القاعدة بل أيضاٍ على تلك المليشيات المسلحة التي تعمل خارج نطاق الدولة وقوانينها المرعية حتى أنني أزعم أن من يقف وراء هذه المليشيات المسلحة ليسوا سوى أمراء حرب اعتياديين وأنهم بهذا المعنى يغردون خارج السرب العام للتسوية العامة في اليمن.

القاعديون وروافدهم * كثيراٍ ما تشير في تحليلاتك إلى صلةُ ما بين القاعدة وأمراء الحرب.. نود توضيح أدق لذلك ¿ وما وجه الشبه بين القاعدة والمليشيات المسلحة وتجارة السلاح ..¿ – شركاء التوافق العاقل في المعادلة السياسية اليمنية مطالبين بالوقوف أمام المشهد الماثل بكامله وملاحظة تعدد عناصره والخروج بتوافق جديد يكرس حكمة التنازلات الشجاعة من أجل المصلحة العليا للوطن والمواطنين وأن يدركوا أن اللعب بالنار سيضر الجميع ويحيل مشهد البهاء اليماني لما بعد الربيع العربي إلى تراجيديا قاتلة لا يمكن التنبؤ بأبعادها ومآلاتها. القاعدة في اليمن ليست إلا رافداٍ شبحياٍ رمزياٍ لكامل الحالة المفارقة للدولة والمؤسسة والقاعدة لا يمكنها أن تتحرك خارج نطاق الحواضن والروافد الإجرامية المنتشرة وخاصة منابع بيع وترويج الأسلحة والطغم المالية والعسكرية المنخرطة في التجارة غير المشروعة.. أولئك الفرحون بأردية الدولة ونياشينها وهم أبعد ما يكونون عنها والجماعات النفعية الصغيرة التي أعúمت المصالح غير المشروعة بصائرهم فأصبحوا يناجزون التاريخ والحقائق مْتناسين أنهم بهذا السلوك يحكمون على أنفسهم بنهاية تراجيدية قادمة.. على الذين استمرأوا اللعب بالنار إدراك أن هذا المنهج سيكون وبالاٍ على الجميع ولن يوفر منتصراٍ أو مهزوماٍ ذلك أن الجميع سيجدون أنفسهم في دائرة الهزيمة التاريخية المؤكدة. توصيف القاعدة * هذا يجرنا إلى أن نطلب منكم توصيفاٍ مقارباٍ للقاعدة وروافدها..¿ – لا تكتمل القاعدة توصيفاٍ وتحديداٍ بدون روافدها الإجرامية والتي تتلخص في التجارة غير المشروعة .. تلك التي لا تبدأ بتجارة السلاح ولا تقف عند حد المواد الغذائية الفاسدة واليوريا القاتلة في الزراعة والأدوية المدمرة لعقول الشباب ولا تنتهي بأفيون القات المتجول في جسوم وأفئدة البشر. الحملة الراهنة ضد عناصر القاعدة في بعض المناطق والمحافظات تقتضي حملة موازية ضد حملة السلاح فالمجرمون الذين يغتالون أفراد المؤسسة العسكرية يشبهون نظراءهم الذين يغتالون المرضى في المستشفيات من خلال الاعتداءات المتعمدة على أبراج الكهرباء كما يشبهون من يغتالون أحلام الناس وحياتهم المتواضعة من خلال تفجير أنابيب الغاز والنفط. ظاهرة المليشيات المسلحة الخارجة عن الدولة ليست صفة تحتكرها القاعدة بل إن أنصار القاعدة ما كان لهم أن يجدوا الفرصة السانحة لمنطق السلاح المنفلت من عقاله لولا تجار السلاح ومافيا التجارة الخسيسة وأمراء الحرب الذين يتموضعون في ذات المربع البائس لمن يرفض الدولة والنظام والقانون. المشهد الماثل يقتضي الإقرار المسبق بإصلاح لا يستثني طرفاٍ دون الآخر ولا يبرر بقاء السلاح غير النظامي بيد الأفراد والمليشيات القبائلية المؤذية لتوازن المجتمع وازدهاره ولا ينتقي منطقة دون أخرى أو مكوناٍ إجرامياٍ دون آخر. عندها ستكون المصداقية والثبات على الحق مثابة يستحقها القائمون على مقارعة الآثام والضلالات. المعركة المحتدمة ضد الإرهاب تقتضي معركة إنجاز قوانين ضبطية نافذة -بقوة الدولة- موازية تبدأ بتحرير وإطلاق قانون حمل السلاح المْجمِد في البرلمان منذ سنوات ومروراٍ التفاهم بالحسنى والتخلي عن السلاح اختياراٍ.. وتنتهي بالإكراه الجبري مع المليشيات الحزبية والقبلية المْدججة بصنوف الأسلحة المتوسطة والثقيلة والخروج بإجماع سياسي غير قابل للتأجيل.. يرهن الجميع لسيادة الدولة والتي لها أن تكون أداة الفصل الوحيدة باسم القانون.. وعلى خط متصل لا بد من مْناجزة محترفي الخطف والاعتداء على الخدمات وقتل الأبرياء توطئة لتقديم رسائل واضحة المعنى والمغزى فالنجاة من العقاب درب سالك لمزيد من احتراف الجريمة والقصاص العادل هو أقرب الطرق لحماية الناس من شرور الناس.

وضع اليمن المالي * بوصفكم خبيراٍ في الشؤون المالية نتمنى أن تبسطوا لنا صورة الوضع المالي في اليمن.. ¿ وتقييم للإجراءات الوقائية المعلنة المتعلقة بمعالجة الأجور الوظيفية لأجهزة الدولة ..¿ – ما أشبه الليلة بالبارحة فيوماٍ عن آخر يزداد موقف الحكومة اليمنية تأزماٍ وذلك عطفاٍ على سلسلة الإجراءات السعرية في الحكومة السابقة والمرتبطة بالوقود وما استتبعها من تدابير حمائية تتعلق برفع الحد الأدنى لسقف الأجور بالنسبة للعاملين في أجهزة الدولة وجملة التدابير المرتبطة بالحد من بعض الضرائب والتي سارت قدماٍ إلى الأمام أفضل من غيرها من التدابير . ما يتعلق بالإجراء الجوهري الخاص بتعلية سقف الأجور والذي تقدمت به الحكومة إلى البرلمان حينئذُ لم يأخذ مجراه بعد وذلك بسبب الملاحظات الجوهرية التي برزت في البرلمان وخاصة ما يتعلق منها بالترتيبات الواجب توافرها في الجهاز الحكومي حتى تأخذ هذه الخطوة مجراها بصورة طبيعية وأن لا تكون سبباٍ في مزيد من الإنفاق المالي دونما غطاء نقدي يخل بالميزان العام للعملة. يطالب البرلمانيون برأي ناجز وعلمي للبنك المركزي والقيادات المالية العليمة بهذه المسألة فالأصل في إصدار العملة الوطنية الجديدة أن تكون محكومة بميزان التداول وأن تصبح العملة وعاء حقيقياٍ للإئتمان والإدخار وأن تكون تْرجماناٍ للقيم المادية والروحية المعطاة بواسطة التداول لتلك العملة. يخشى خبراء المال أن يعود التضخم بطريقة غير مباشرة إذا ما تم الشروع برفع سقف الأجور وبأثر رجعي ويرون أن من الضرورة بمكان استباق هذه الخطوة بتنقية الجهاز الإداري للدولة من الرواتب الوهمية التي تْعطى شهرياٍ لعشرات الآلاف من الموظفين الوهميين ليس لأنهم بطالة مقنعة بل لأنهم غير موجودين أصلاٍ فمنهم المتوفى ومنهم المهاجر ومنهم من يستلم عدة رواتب من أكثر من مؤسسة ووزارة . يحسب القائلون بهذه المفارقة أنه يمكن تأمين ما لا يقل عن مائة ألف وظيفة كحد أدنى إذا ما تم شطب الأسماء الوهمية من قائمة الرواتب التي تصرف الآن في غير محلها ولأسماء لا وجود لها وفي مثل هذه الحالة يمكن تأمين الزيادات المطلوبة من أصل المبالغ المستقطعة من الميزانية العامة لصالح ميزان القوى الوظيفية بل إن هناك فرصة حقيقية لتوظيف آخرين مما يزيل الاحتقان القائم في سوق العمل ولو بنسبة لا بأس بها… إن ما يجري في ميزانية القوى الوظيفية تعبير آخر عن حالة الفساد المالي والإداري الذي أزكم الأنوف وأخرج الكثيرين في البرلمان والحكومة عن دائرة الصمت كيما يوجهون النقد المباشر للحكومات اليمنية السابقة والراهنة وبدورها تحاول الحكومة تبرير ما جرى ويجري ولكن دون أن تقدم الأدلة الكافية الوافية على موضوعية مثل هذه الأخطاء فالأصل في العمل الوظيفي أن يكون الموظف على رأس عمله حتى وإن نام على طاولته والأصل في الرواتب الإسمية أن تكون مقابلاٍ لحضور فعلي في العمل فكيف يمكن تبرير تمرير مئات آلاف الرواتب الوظيفية خارج الخدمة العامة في الجهاز الحكومي¿ على خط متصل اشتعلت معركة كر وفر في البرلمان اليمني ذات يوم مضى عندما تقدمت الحكومة بمشروع اتفاق لبيع الغاز والسبب في الخلاف أن وزارة النفط والمعادن أفادت بأن الغاز الموجود في باطن الأرض يكاد يكفي لتغطية حاجة الاستهلاك المحلي وبالترافق مع المشروع الطموح لتشغيل محطة توليد الكهرباء بالغاز التي أصبحت اليوم في خبر كان بفعل القبائليين (الأشاوس) الذين يخرجونها عن الخدمة مع الإعلان المسبق تحدياٍ للدولة.. لقد أثمرت تجربة الأنين الطويل وحان ساعة القطاف مكاشفةٍ ونقداٍ وتصريحاٍ بدلاٍ من التلميح والتورية ولقد آن الأوان لأن يعرف الجميع كيف تدار آلة الدولة وماذا تفعل الحكومة وكيف تتحقق مكانة الوظيفة العامة ويصبح الوطن ومصالحه فوق كل اعتبار كما حدث ويحدث في كل بلدان العافية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

تعدد المناهج وممكنات توحيدها * تتعدد المناهج التعليمية في اليمن وفق التنوع الفكري والعقدي المذهبي بل السياسي.. ما هي قراءتكم لهذا التعدد وما أثرها على تجذير الصراع.. ¿ – من المعروف حصراٍ أن المناهج التعليمية تقترن بزمان مديد وتكريس مؤكدين لجملة من الرؤى والمقاربات والمفاهيم التي تصل إلى حد اليقين العلمي وبهذا المعنى يكون لهذه المناهج تأثير حاسم على الجهاز المفاهيمي للدارسين وخاصة في المراحل العمرية الأولى وقد لاحظ الكثيرون أن تعددية المناهج الدراسية في اليمن مقرونة بذلك البْعد غير الحميد في التعددية. أقصد البْعد المرتبط بالإقامة النمطية في الماضي التليد وإذا كنا نرى في هذا الماضي التليد بعض خصائص وقيم ايجابية لا ريب فيها إلا أن ذلك لا يعني بحال من الأحوال صلاحية التعاطي مع العصر ومستجداته بأدوات الماضي ومفرداته ومن هنا تنشأ المشكلة الأيديولوجية القائمة والتي تتغلِف برداء الدين وتنوْع مساراته التفسيرية والتأويلية. المشكلة التربوية في هذا الباب تكمن في الاستبعاد الإجرائي للعقل المنطقي البرهاني بمقابل التعميم السيكولوجي للتسليم الغيبي الذي يجد جواباٍ مطلقاٍ لكل سؤال نسبي .. وليت الأمر يتوقِف عند هذا الحد فهذا النمط من التعليم الديني الرأسي يْوصل في نهاية المطاف إلى استدعاء أسوأ تجليات الفرق الكلامية التاريخية التي اقترنت دوماٍ بالسياسة والسلطان والتعصْب. * برأيكم ما هي ممكنات توحيد المناهج.. ¿ – فكرياٍ.. ليس من الممكن توحيد المناهج إلا في حدود مبادئ الحفاظ على النسيج الوطني والاجتماعي العام القائم على التعايش والقبول بالآخر على قاعدة مقبولة من القواسم المشتركة.. لكن هذا لا يتوفر إلا حين تكتمل عناصر الدولة العادلة والراعية للجمع التعددي المحكوم بالمواطنة المتساوية والحريات الفكرية والعقدية والسياسية الإيديولوجية.. ومعرفياٍ يدرك العقلاء أن التعددية المعرفية ليست عيباٍ بذاتها ذلك أن المدارس البيداغوجية تتنوِع بحسب تنوْع التخصصات ومسارات الرؤية التعليمية والنظر للماكنة التربوية.. لكن هذه التعددية تتحوِل إلى وبال على البشر عندما تقترن بالميتافيزيقا السوداء التي نراها رؤيا العين في اليمن كما في العالم العربي الواسع ومن هنا وجب الوقوف ملياٍ أمام هذه المشكلة الحقيقية الخطيرة لكونها ترتبط بأذهان الناشئة ومنطق تفكيرهم ورؤيتهم للحياة وكل ذلك يتطلب الدولة القوية والقوانين السارية على كل مكونات المجتمع.. ولعل الشواهد المرتبطة بالتنوع والفكري والسياسي والعقدي في المجتمعات لا تظهر شقوقه وصراعاته الماضوية إلا لحظة غياب الدولة وتعليق القوانين أو سريانها على البعض دون البعض الآخر…