الرئيسية - تحقيقات - علم النفس : الشعور بالاحتياج والجوع يكون هو الطاغي في رمضان
علم النفس : الشعور بالاحتياج والجوع يكون هو الطاغي في رمضان
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

> التجارة والصناعة : القدرة الشرائية هذا العام منخفضة بنسبة 30- 40%

> علم الاجتماع : عادات التكافل الاجتماعي اختفت وهذا وسع دائرة الفقر

> اقتصاديون : الأسرة اليمنية في الوضع الراهن مطالبة بترشيد دخلها

تشهد الموائد الرمضانية تنوعاٍ وزخماٍ يصل في أحيان كثيرة حد البذخ والتبذير ناهيك عن كل ما يتلف ويرمى من الفائض أو التالف بسلة القمامة ليتحول شهر رمضان من شهر للعبادة والمغفرة والقيم السامية إلى شهر للاستهلاك والتبذير. الثقافة الاستهلاكية في مجتمعنا خاصة في رمضان ثقافة قد تكون سائدة والمتحكم فيها هو الاحتياج لإشباع معدة خاوية لكن سرعان ما يتلاشى هذا الشعور فور إشباعها وبالصعوبة بمكان تغييرها ما لم يكن هناك دافع ذاتي وقيمي من الفرد والأسرة.. وتكبر المشكلة ونحن نعبر خط نصف رمضان صوب النصف الثاني لنقترب من عيد الفطر المبارك الذي هو مناسبة مفصلية في نمط وخط الاستهلاك مما يعني أننا أمام مشكلة مركبة بطلها سوء إدارة الترشيد والانفاق الاستهلاكي في هكذا توقيت. في التحقيق التالي تفاصيل أكثر.. نتابع..

نهار رمضان وقته دقيق للغاية كون نصفه يذهب في النوم والنصف الآخر في الدوام ولا وقت لدينا للتسوق أو شراء الحاجيات الضرورية هكذا يقول الموظف سعيد الحظا ويضيف : كما أننا نحتاج في كثير من الأحيان للتنوع في الموائد الرمضانية. وأوضح أن ذلك ليس من باب التبذير أو البذخ بل نتاج طبيعي لمعدة خاوية طوال النهار مع أن المستهلك من كمية الطعام قد تكون بسيطة. يشاركه الرأي محمد أبو راس ويضيف : هناك عادات وتقاليد توارثناها عبر آبائنا فيما يخص الشهر الفضيل ولا يكتمل رمضان إلا بتوفرها وتواجدها على المائدة الرمضانية لذلك إن لم تتوفر لدينا السيولة النقدية فإننا نسعى لأخذ قروض لنستطيع توفير متطلبات رمضان. وعن التبذير والبذخ يقول : نحتاج كثيراٍ من الأحيان لوجبات متنوعة كون الجسم يحتاج للغذاء المتنوع ليعوض صيام ما يقارب 15ساعة في اليوم أحيانا معترفاٍ بأنه في بعض الأحيان قد يصل الاستهلاك إلى درجة التبذير. من جانبها تقول أم أيمن : اقضي ساعات طوالاٍ في المطبخ لتحضير العديد من الأطعمة والحلويات وفي نهاية المطاف لا يأكل أفراد أسرتي إلا الشيء البسيط وهذا يزعجني كثيراٍ وحين أحاول التقليل من تلك الأطعمة لا أجد إلا اللوم والتوبيخ. آراء متقاربة وردات فعل متفاوتة فيما يتعلق بالمائدة الرمضانية وثقافة الاستهلاك الزائدة عن الحاجة لدى الأسرة.. علماء الاختصاص في هذا الجانب تحدثوا لكن ماذا قالوا:

القدرة الشرائية منخفضة يقول خالد الخولاني – مدير عام مكتب الصناعة والتجارة بأمانة العاصمة: عادة ما يكون لدى المواطن اليمني اندفاع كبير للشراء في رمضان خاصة في الأيام الأولى بالرغم من أن القدرة الشرائية لديه منخفضة بنسبة 30- 40% مقارنة بالأعوام السابقة..كما أن سياسة السوق قائمة على العرض والطلب كونها أصبحت سوقاٍ حرة وتخضع للمنافسة.. ويحذر الخولاني من تجار يستغلون الإقبال على التسوق في رمضان فيقومون بإخراج مواد مخزنة ولها فترة طويلة لهذا لابد من تضافر كل الجهود خاصة وسائل الإعلام للقيام بواجبها فيما يخص التوعية والإرشاد تجاه ما يتعلق بالمواد الغذائية لأن مخاطرها وأضرارها كبيرة..

تأثير مزدوج وتوضح الأخصائية النفسية منال البحم : أن ظاهرة الاستهلاك للمواد الغذائية تكون سائدة في شهر رمضان لأن الشعور بالاحتياج والجوع يكون هو الطاغي حيث تسيطر على الناس فكرة أن الغذاء الذي تم شراؤه لن يكفي ولن يفي بالغرض وبالتالي يبادرون إلى الشراء بكميات كبيرة .. وتقول: كما أن إلى الشراء الذي يصل إلى مستوى الهوس تجاه سلع رمضان أصبح عادة وضرورة لدى كثير من المجتمعات رغم المعرفة والعلم بأنه يندرج تحت قائمة التبذير والبذخ, جاعلين من شهر رمضان الفضيل شهراٍ لاكتناز السلع والإكثار من المأكولات. وتضيف البحم : هناك نوعان من التأثير تأثير استهلاك المواد الغذائية .. وتأثير نقصها وعدم استهلاكها وهذا بطبيعة الحال أمر يختلف من شخص إلى آخر كما تختلف ردة الفعل أيضاٍ.. وتضرب أمثلة: بعض الأفراد يتأثرون بمسألة التبذير والاستهلاك بشكل غير متوازن يفوق احتياج الأسرة وقد يؤدي ذلك إلى الشعور بالذنب وتأنيب الضمير والضيق أحيانا .. وفي المقابل عند عدم استطاعة بعض الأسر توفير الاحتياجات الرمضانية المبالغ فيها يؤدي ذلك إلى الشعور بالنقص والدونية والإحساس بالذنب ومقارنته المجحفة بينه وبين من يمتلكون القدرة الشرائية وتوفير المتطلبات بكثرة .. لذا استهلاك السلع الرمضانية له تأثير كما أن عدم استطاعة توفير السلع له تأثير أيضا وكلاهما جانب سلبي. وتؤكد البحم أن الاستهلاك للغذاء في شهر رمضان بشكل مبالغ فيه سيترتب عليه نتائج سلبية على حساب متطلبات واحتياجات أسرية أخرى كشراء متطلبات العيد والعام الدراسي الجديد خاصة لدى محدودي الدخل حيث تشكل هذه الفئة الغالبية العظمى في مجتمعنا ولابد من تعديل هذا السلوك بتعليم الناس كيفية التحكم بانفعالاتهم وضبط ذواتهم في السلوكيات غير الصحيحة ضمن برامج توعوية وهذا يقع ضمن أداء ودور وسائل الإعلام كذلك الجانب الديني مهم من خلال التذكير بالأحاديث والآيات التي تنهى عن التبذير والإسراف..

غياب التكافل الاجتماعي من جانبه يقول سمير مريط – الباحث في علم الاجتماع والمدير التنفيذي لمنظمة سواسية- يبدو أن تدهور الوضع الاقتصادي في اليمن لم يؤثر كثيراٍ في تغيير الثقافة الاستهلاكية للمجتمع, فنجد الإقبال على شراء المواد الغذائية يتزايد بشكل ملحوظ من منتصف شهر شعبان أو حتى من قبل ذلك ويكفي أن تمر من أمام أحد الأسواق التجارية والمجمعات الاستهلاكية لترى مستوى الإقبال على الشراء وهذا ما يجعلنا نتمعن في بعض المبررات المقبولة لزيادة استهلاك المواد الغذائية في هذا الشهر الكريم فبعض الأسر تعتبر شهر رمضان شهر التموين لعدة أشهر مقبله مثله في ذلك مثل شراء الملابس في الأعياد الدينية فالكثيرون يشترون كسوة العام في العيد لعام كامل. ومضى يقول: من المعروف أن السيولة النقدية والتداول النقدي يزداد في شهر رمضان نتيجة لعدة أسباب منها إخراج الكثير من الأغنياء والميسورين للزكاة في هذا الشهر الكريم وهو ما انعكس ايجابيا على دخل الكثير من الفقراء والمعسرين وتابع بالقول: لكن لا يجب أن نغفل خصوصية هذا الشهر الكريم حيث أن معظم أفراد المجتمع يفضلون أكل المنازل على أكل المطاعم لخصوصية الأكلات وتنوعها في شهر رمضان وهو ما يبدو واضحا من خلال إغلاق مطاعم كثيرة أبوابها في رمضان . ويبدي مريط أسفه من وجود أسر لا تجد قوت يومها حتى في رمضان وبالمقابل هناك تبذير واضح لدى أسر أخرى وهنا يقول: نجد أن عادات التكافل الاجتماعي التي كانت موجودة في المجتمع اليمني مثل تبادل الأطعمة بين الأسر حتى الميسورة منها قد اختفت وهذا أثر سلباٍ على المجتمع. ويضيف: هناك ما يبرر زيادة الإقبال على شراء السلع الاستهلاكية في شهر رمضان وقد يكون الأمر ظاهرة طبيعية إلى حد ما لكن هذا لا يبرر أبدا التبذير والإسراف في ظل التفاوت الكبير في المستوى المعيشي للأسر في المجتمع المدني.

ثقافة الترشيد تربية منهجية ويرى خبراء الاقتصاد أن ترشيد إنفاق دخل الأسرة اليمنية يبدأ من إشباع الحاجات الأساسية أولاٍ وهذا ما يجب أن تعنى به الأسرة ويعني ذلك الاهتمام بطبيعة الإنفاق على ما هو أساسي من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ودواء وتعليم ثم يأتي بعد هذا كله الإنفاق على شراء الكماليات قدر الإمكان فإذا كان الحد الأدنى للدخل الشهري الثابت يتراوح بين عشرين وخمسة وعشرين ألف ريال فلابد أن يوجه ما زاد على ذلك من دخل غير ثابت إلى توفير الأساسيات وزيادتها كون الحاجات التي يحتاجها الناس تنقسم إلى حاجات أساسية ضرورية وحاجات كمالية وهناك من الكماليات عند البعض ما يصبح ضرورة كسلعة وليس كنوعية مثل أجهزة الهاتف المحمول مثلاٍ. وينظرون إلى الأمر من زاوية منهجية حيث يقولون: الأسرة اليمنية في الوضع الراهن معنية بترشيد دخلها سواء الدخل المنظور أو الدخل غير المنظور.. فإذا كانت الأسرة ذاتها لم تساعد نفسها لترشيد إنفاق دخلها فلا يمكن لجمعية ولا لداعية أن يؤثر فيها ويرشد قرارها فما من طريقة أخرى لأن ثقافة الترشيد هي تربية منهجية.

شهر القيم النبيلة أخير.. أصبح شهر رمضان بالنسبة للكثيرين موسما لشراء وتخزين ما هو ضروري وغير ضروري من الأطعمة الرمضانية والسلع الغذائية المتنوعة والإفراط في تنويع الأكلات على موائد الطعام الرمضانية والتي قد تذهب غالبا إلى أكياس وحاويات القمامة وهو ما يتنافى مع المعاني السامية والقيم النبيلة التي جاء بها شهر رمضان المبارك شهر الصوم والعبادة والتي تعبر بمقاصدها عن جملة من الفوائد المادية والروحية المتعلقة بجوانب الترشيد وقضايا تحقيق الأمن الغذائي بكل أبعاده.. وهذا يتطلب وعيا جاداٍ يتجاوز هذه الثقافة الاستهلاكية الطاغية على القيمة الأساس للشهر الفضيل.. نحاول وسنجد أنفسنا نكبح جماح شهوة التسوق هذه كي نعيد التوازن إلى حياتنا.. ونعيد ترتيب أولوياتنا الأسرية والمجتمعية.