الرئيسية - الدين والحياة - المصالحة الوطنية ضرورة وواجب شرعي
المصالحة الوطنية ضرورة وواجب شرعي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

 - 
الحديث عن المصالحة الوطنية ينبغي تناوله من الرؤية الدينية الداعية إليه والمرغبة فيه في مضامينها ومدلولاتها الشرعية  وفي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية تكر

الحديث عن المصالحة الوطنية ينبغي تناوله من الرؤية الدينية الداعية إليه والمرغبة فيه في مضامينها ومدلولاتها الشرعية وفي ذلك إشارة واضحة إلى أهمية تكريس هذا المبدأ الإسلامي في واقع الحياة العامة للمسلمين ونظرا لأهمية الموضوع في الحياة العامة للمجتمع فقد خصص لهذه القضية مساحة واسعة من النصوص القرآنية والنبوية التي تدعو إلى تبني المصالحة والإخاء والألفة والمحبة والصفاء والنقاء سواء جاءت هذه النصوص بالتصريح في تبني المصالحة أو ما قد يفهم منها ويستنبط من معان وإشارات تشير إلى المقصد السامي وحتى يدرك الناس أهمية التصالح فيما بينهم فقد جاءت الشريعة بما يمكن وصفه بالمبشرات في صورة حصول الحسنات والخيرات لمن امتثل لهذه التوجيهات وسار بسلوكه وممارساته في أخلاقياتها وبالمقابل كانت هناك عقوبة ربانية لمن ينقلب على هذا المفهوم الإسلامي بجنوحه إلى المقاطعة والتناحر مع إخوانه أو مع من يختلف معهم في النظرية أو الفكر.. ولعل هذا النوع من الناس يمكن وصفه بحال من استسلم إلى نزواته وأحقاده وثاراته ولم يكن أهلا للتسامي عن الأحقاد والترفع عن حب الانتقام ولعل جهله بأحكام دينه ومقاصد شرعة من أهم الأسباب التي تجعل صاحبها محروما من مكامن الفضل التي يقول في بعضها رسولنا عليه الصلاة والسلام (خيركم من يبدأ صاحبه بالسلام) والخيرية هنا هي لمن يغلق الماضي بكل ما فيه حتى وإن كان مظلوما ويمد يديه لخصمه معلنا فتح صفحة جديدة للتعاون والعيش بسلام. وعندما ننجح في غرس قيم المصالحة الوطنية في النفوس بالتركيز علي المضمون الديني لها.. بإمكاننا أن نتحدث عن المرحلة الثانية للمصالحة الوطنية والتي تتلخص في أهميتها من زاوية كونها (ضرورة حياتية) تطلبتها ضرورة الواقع المعاش الذي تأججت فيه الصراعات وتنامت فيه الاختلافات بين أبناء البلد الواحد الأمر الذي أدى إلى قتل بعضنا بسبب اختلاف سياسي أو مذهبي وطائفي واستمرأ القتل فينا ودام بسبب مقاطعتنا لبعضنا وتناسينا أو بالأخص تناسى من يقدم على رفع السلاح في وجيه أخيه المسلم إنهم جميعا يصلون إلى قبلة واحدة ويعيشون على أرضا واحدة ناهيك عن مختلف القواسم المشتركة التي تجمعنا والتي كادت أن تتلاشى بسبب إصرار البعض على المقاطعة تمهيدا للتناحر واستحلال الدم والمال بدعوى التعصب المذموم وغياب تام لمبادرات المصالحة والتقريب بين المتباعدين في حين أن الوصف النبوي يحكم بالنجاة والفلاح لفئة محددة من الناس أطلق عليهم بالغرباء الذين عايشوا الفتن والصراعات وعندما سئل النبي عن صفة هؤلاء الغرباء قال (الذين يصلحون إذا فسد الناس) ولعلي هنا أستشف حكمة القول النبوي في نقطة بعينها وهي توضح أن المؤمن ينطبق عليه مصطلح الغربة حتى وإن كان في وطنه وبين أهله ومجتمعه حينما تنتشر الفتن ويعم البلاء وتتلاطم صور الاختلافات والصراعات والاقتتالات.. لأن كل هذه المظاهر غريبة عن أخلاق المؤمن وليست من أخلاقه ولا مبادئه ولهذا نجد أنفسنا أمام هذه الحقيقة النبوية مسلöمين لها عندما نرى تعنت أرباب الفتن في أعمالهم وإصرارهم على مقاطعة إخوانهم وعدم الاكتراث بويلات ما يقترفه عنادهم في حق من يتقاسمون معهم المصير الواحد. إن الحديث عن المصالحة ينبغي أن يخترق القلوب المتحجرة بل يجب أن يلج إلى عقول المتقاطعين والمتدابرين حتى يدركوا أن المصالحة الوطنية هي منطلق ديني وواجب شرعي وضرورة حياتية ومعيشية يجب أن يسعى إليها ها كل من يقف على مفصل سياسي أو حزبي وديني طائفي وقبلي مناطقي ولا ينبغي أن نجعل من المصالحة صورة تلفزيونية بين المتصارعين والمتخاصمين تصافحت فيه الأيدي وتعانقت فيه الأكتاف دون أن تقتنع قلوبهم ودون أن تتأثر قلوبهم وسلوكياتهم إلى واقع عملي يحكي فعلا نجاح مصالحتهم. فهل يمكن لكل من يدعو إلى المصالحة أن يفهمها أولا كما هي وألا يتصور منها مشهدا إعلاميا أو صفقة سياسية.

[email protected]