الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - تحقيقات - أطفال الريف رجال قبل الأوان..
أطفال الريف رجال قبل الأوان..
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة في المجتمع هناك أطفال يحملون المعاول ويتركون فصول الدراسة.. أطفال جبلوا على الحرث والزراعة في عمر يتطلب معه أن يكونوا على مقاعد الدراسة .. ليتعرضونا لمخاطر ومتاعب أكبر منهم تجعلهم يكبرون قبل الأوان .. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة تعرف عمالة الأطفال بأنها العمل الذي لا يتناسب مع سن الطفل أو يضر بتعليم الأطفال أو يمكن أن يلحق الأذى بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم. ” الثورة ” تشرح الظاهرة وحجمها ومخاطرها على الأطفال في التحقيق التالي :

يشعر الطفل العامل في الريف بعدم الرغبة في تلقي التعليم فيتسرب من مدرسته ويتحول إلى العمل في أرض الأسرة أو أرض الغير كما هو حال الطفل غيلان السعدي – 13عاماٍ من منطقة بني الحارث فهو لم يستطع التوفيق بين مدرسته والأرض التي يعمل بها لخمس ساعات متواصلة من الصباح الباكر وحتى فترة الظهيرة يومياٍ يقول غيلان ” لم أستطع التوفيق بين المدرسة والأرض لأن الزراعة تتطلب تواجدنا من الصباح الباكر وهذا يتعارض مع وقت المدرسة إضافة لحاجتي وأسرتي للمال الذي أكسبه من عملي بالمزرعة “.. وهكذا تقدم الأسرة أبناءها إلى سوق العمل حين تعجز عن الوفاء باحتياجاتها الأساسية حيث يواجه الأطفال الكثير من المخاطر في عملهم ابتداء من التعامل مع مواد وأدوات وآلات تحمل تهديداٍ للمرحلة العمرية التي يعيشونها مرورا بتلوث البيئة التي يعملون فيها وانتهاء بمواجهتهم لمخاطر جسدية ونفسية كما هو حال الطفلة سلامة المعافى من نفس منطقة الطفل غيلان “بني الحارث” بالرغم من أنها لا تزال في الثامنة من العمر إلا أنها تستخدم آلات حادة تسمى “الشريم” لتنظيف الأرض الزراعية التي تعمل بها من الأعشاب غير المرغوب بها لتحملها في نهاية اليوم كغذاء للمواشي.. تقول سلامه: “العمل فائدة ورزق والمدرسة تضيع وقت عملنا” وبحسب قولها بأنها كانت تود ان تدخل المدرسة للتعلم لكنها مجبرة على العمل بشكل متواصل ولا وقت لديها للمدرسة.. اتفاقية اتفاقية حقوق الطفل للجمعية العامة للأمم المتحدة والموقعة عليها بلادنا ذكرت في المادة 32: بأن تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراٍ أو أن يمثل إعاقة لتعليمه أو أن يكون ضاراٍ بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.. وتتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة ولهذا الغرض ومع مراعاة أحكام الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة.. التعليم إلزامي ولكن¿ خبراء القانون يشيرون إلى أن التشريعات المتعلقة بحقوق الطفل تعاني من عدم الاتساق وعدم التكامل ففي الوقت الذي كفلت المادة 54 من الدستور التعليم لجميع المواطنين باعتباره حقاٍ واعتبرت التعليم في المرحلة الأساسية إلزاميا مع ذلك لم تتخذ الإجراءات التشريعية والمؤسسية الكفيلة بإنقاذ إلزامية التعليم الأساسي فلم يشر قانون الأحوال الشخصية في الفصل الثالث الخاص بالحضانة وأحكامها والفصل الرابع الخاص بالكفالة وأحكامها إلى إلزام الحاضن والكفيل بإلحاق الطفل بالتعليم ولم يشر قانون حقوق الطفل رقم 45 لسنة 2002م بشأن حقوق الطفل إلى إلزام أسرة الطفل والأسر البديلة بإلحاق الطفل بالتعليم ولم يشر قانون رعاية الأحداث إلى عقوبات على أسرة الطفل التي لا تلحقه بالتعليم ولا إلى ضرورة أن يلحق الأحداث بالتعليم.. كما أكد خبراء القانون المحليون أن عدم إلزام التشريعات اليمنية للأسر بإلحاق الأطفال بالتعليم الأساسي يشكل واحداٍ من أهم أسباب تنامي معدلات إلحاق الأطفال بالعمل الزراعي فضلاٍ عن ذلك فإن قانون حقوق الطفل لم يلزم الأسر بأي ضمان لحقوق أطفالها.. حجم الظاهرة تظهر دراسة بعنوان (عمل الأطفال في اليمن) أن الجديد في مشكلة عمالة الأطفال في اليمن يكمن في أن حجم الظاهرة أكبر بكثير مما تدونه المسوح والإحصاءات السابقة التي تختلف في المفاهيم والأسس والأعمال وأنواع الأعمال التي يزاولها الأطفال.. وأشارت الدراسة إلى تزايد التحاق الأطفال بالأعمال ذات الأجر بما فيها مجالات عمل عالية الخطورة على صحة ونفسية الطفل ومستقبله ومن ثم على واقع ومستقبل الأسرة والمجتمع.. وبينت بأن ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن تتركز في الريف إذ يعمل بين 95-90% من إجمالي الأطفال العاملين و83 منهم من الإناث والنسبة الباقية منهم تعمل في الحضر.. أرقام وإحصائيات فيما تقول الإحصائيات الخاصة بآثار الظاهرة في دراسة نفذها المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل بعنوان “الأوضاع الاجتماعية للأطفال العاملين في الزراعة “: إن ما نسبته 33.2%من الأطفال العاملين في الزراعة يكلفون برش مواد كيميائية على المزروعات وما يقرب من نصفهم 45.5% يعانون من متاعب صحية بسببها 17.9% لا يتلقون أي علاج لهذه المتاعب الصحية وجميع الذين يتلقون العلاج يتحملون نفقاته بأنفسهم او تتحمل النفقات أسرهم وليس صاحب العمل.. كما يبلغ معدل الإصابات بالجروح أثناء العمل حوالي 29.9% يتلقى 85.6% منهم على نفقتهم الخاصة أو على نفقه أسرهم وما نسبته 4.2% على نفقه صاحب العمل وحوالي 2.1% يحصلون على العلاج من مصادر أخرى أما الباقون 14.4% فلا يتلقون أي علاج لإصاباتهم.. ويرى 95.1% من الأطفال العاملين في الزراعة المتسربين من التعليم أن عملهم يشكل السبب الأول في تسربهم من التعليم سواء أولئك الذين اتخذوا قرار التسرب بأنفسهم 45.9% أو الذين دفعهم الوالدان 49.2%.. ويذكر المكتب الإقليمي للدول العربية لمنظمة العمل الدولية : بأن هناك 264 مليون طفل عامل في العالم يعمل كثير منهم بدوام كامل وفي ظروف بائسة وخطيرة غالباٍ وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يوجد قرابة 9.2 مليون طفل عامل (8.4 % من الإجمالي العالمي) تحاصرهم ظروف الفقر وانتشار البطالة وتدني جودة التعليم مما يؤدي إلى تسربهم المبكر من المدرسة ومعظم هؤلاء الأطفال يعمل في الزراعة ونحو 57 % منهم في أعمال خطرة. وتشير التقديرات الجديدة للأمم المتحدة: إلى هناك 317 مليون طفل نشط اقتصاديا تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 17سنة يمكن اعتبار 218مليون منهم كأطفال عمال. ومن أصل هذا الرقم الأخير يعمل 126مليون طفل في أعمال خطرة. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ذكرت بأن 98 مليون من الأطفال ذكور وإناث بين سن 5 و 17 عاماٍ يشتغلون في قطاع الزراعة على الصعيد العالمي كما صنفت الزراعة بأنها أحد أخطر القطاعات من حيث معدلات الوفيات الناجمة عن العمل والحوادث غير المميتة والأمراض المهنية وغالبية الأطفال (70%) هم عمال أسريون غير مدفوعي الأجر. تدني مستوى المعيشة كما تتعمق هذه الظاهرة من ناحية اقتصادية من خلال الفقر والبطالة وتدني الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية وتوسع القطاع غير الرسمي وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدني مستويات المعيشة في الريف على وجه التحديد ويعتبر المستوى المعيشي المتدني أبرز المشكلات التي يعاني منها الأطفال العاملون في الريف وهكذا تتفرع عن المشكلات الرئيسة عدد من العوامل التي تدور في حلقة السبب والنتيجة.. مسؤولية أكبر منهم تتحدث من جانب علم النفس الأخصائية النفسية منال البحم قائلة: “العمل في الزراعة يحتاج لبنية جسدية قوية وصبر لتحمل المسؤوليات وعمالة الأطفال في الزراعة يفقد الطفل معها الإحساس الطبيعي بطفولته ويشعر بالحرمان.. كما أن هذا العمل يؤثر على نموهم النفسي حيث يتأثرون من ناحية عدم مرورهم بمراحل النمو الطبيعية للطفل كمرحلة المراهقة والبعض منهم يمر بمراحل الطفولة بشكل سريع من حيث الانتقال من مرحلة إلى مرحلة عمرية أخرى دون اخذ وقتها الطبيعي ودون الإحساس بها من قبل الطفل.. وتقول إن سبب هذه المشكلات يرجع لتحملهم أعباء ومسؤوليات تمنعهم من ذلك فمثلا نلاحظ أن الطفل في المدينة لايزال يعيش مراهقته بينما الطفل في الريف أصبح مسئولاٍ عن أسرة وزوجه وأطفال.. وتواصل البحم حديثها بالقول: عند انغماس الأطفال بالعمل في الريف يضعف التعليم لديهم ’و قد يترك البعض منهم التعليم ويكره الطفل الريفي اسم تعلم والسبب يعود غالبيته للعمل في الزراعة فالأطفال يكلفون بواجبات مدرسية عليهم أداءها ولكن بسبب تحملهم أعباء زراعية لا يستطيعون القيام بها مما ينتج عنه ضعف مستواهم العلمي وقسوة المدرسين في تقصيرهم بأداء الواجبات وقالت أغلب الطلاب تركوا المدرسة بسبب الأعمال في الزراعة وتحملهم مسؤوليات أكبر من أعمارهم.. وبالتالي حين يقارن البعض منهم نفسه بأصدقاء لديه أكملوا تعليمهم حينها يشعرون بالإحباط والنقص..أيضا من الآثار السلبية للعمل وتحمل المسؤولية في الطفولة المبكرة أن الطفل ينتقل في مراحله العمرية بشكل سريع ويتم تزويجهم بسن مبكرة ولا زالوا غير مؤهلين لتحمل تربية أطفال لهم وهم لازالوا بأنفسهم في سن صغير. وتؤكد بأن حجم المشكلة يتزايد مع ضعف السياسات التشريعية والقانونية التي تؤمن الحماية القانونية للأطفال العاملين في الريف علاوة على قلة السياسات الاجتماعية الداعمة لحقوق الأطفال العاملين في الزراعة حيث لا توجد لهم تغطية تأمينية صحية واجتماعية كما أن وقت العمل في هذا القطاع طويل وغير ثابت وغير محدد مما لا يتيح للأطفال العاملين الحصول على الراحة الجسدية والنفسية.. وتنصح الأخصائية النفسية الدكتورة منال البحم: الأسرة بأن تسمح لأطفالها أن يعيشوا مراحل الحياة الطبيعية دون تسريع مراحل نموهم.. وهذه مسؤولية المجتمع ككل من خلال حماية الطفل وتنفيذ حقوقه القانونية والاجتماعية والعمل على نشر الوعي بمراحل النمو للطفل وكيفية التعامل مع كل مرحلة عمرية وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين لأنه سبب رئيسي لدفع الأسر بأبنائها للعمل.. الحل في القوانين نهاية المطاف ..القضاء على ظاهرة عمالة الأطفال في الزراعة أمر يكاد يكون مستحيلا.. بسبب انتشار الفقر الذي يعتبر ظاهرة ريفية في المقام الأول ولابد من إيجاد الحلول المناسبة للتخفيف من حجم الظاهرة لعمالة الأطفال في الزراعة والتقليل من آثارها السلبية على الأطفال في مجال التعليم الصحة والتعرض للعنف المادي والمعنوي.. وبالتالي لا بد من مراجعة التشريعات لاسيما قانون حقوق الطفل وقانون الأحوال الشخصية وقانون العمل بحيث تنص على حق الطفل في التعليم بما يتواءم مع الدستور الذي ينص على أن التعليم الأساسي مجاني وإلزامي وينبغي أن يلزم قانون حقوق الطفل أولياء أمور الأطفال بإلحاقهم بالتعليم..