الرئيسية - تحقيقات - فجوة تثير القلق!
فجوة تثير القلق!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

> منذ العام 2001م تباعاٍ والفتيات يحصدن نصيب الأسد في أوائل الثانوية

> أكاديميون: مدارس البنات النموذجية أكثر من مدارس البنين .. وهذا عزز من تقدم الفتيات

> نفسيون: إصرار الفتاة على إثبات ذاتها واعتقادها بأن الهروب إلى الأمام نجاة لها من الاستضعاف المجتمعي دفعها إلى التميز

البعض منهم يشعر بالخجل والبعض الآخر يحاول أن يخلق لنفسه جملة من الأعذار فخلال الأعوام الأربعة عشر الماضية لم يتمكن فتيان اليمن من كسر احتكار الفتيات للتفوق في نتائج الثانوية العامة وفي الخمسة الأعوام الأخيرة عجز البنين عن مجاراة الفتيات لحفظ ماء الوجه. أكاديميون وخبراء ومراقبون ومختصون وتربويون قالوا إن انعدام المدارس النموذجية للبنين وسوء تعامل المدارس وطريقة وضع الامتحانات أبرز أسباب تراجع مستوى البنين وأن اجتهاد الفتيات واهتمام الوزارة والمدرسة بهن هو سر التفوق.. التفاصيل في التحقيق التالي :

يبدو أن تفوق الفتيات في امتحانات الثانوية العامة لم يكن خلال الخمس السنوات الماضية حسبما ذكرت وزارة التربية والتعليم, فالحقيقة أن الفتيات قد سبق وأن افتتحن مسلسل التفوق في العام 2001م, ففي ذلك العام حصلت الفتيات على الحظ الأكبر من المراكز المتقدمة من أوائل الجمهورية .. أيضا في العام 2002م حصلت الفتيات على 17 مقعدا في أوائل القسم العلمي من أصل 26 مقعدا, وفي القسم الأدبي حصلن على ثمانية عشر مقعدا من أصل 22 مقعدا, وفي العام 2003م حازت الفتيات في القسم الأدبي على 20 مقعدا من أصل 26 مقعداٍ و12 مقعدا في القسم العلمي من بين 26 مقعدا, وفي العام 2004م حصدت الفتيات في القسم الأدبي 16مقعدا من إجمالي 20 مقعدا و10 مقاعد في القسم العلمي من بين 22 مقعدا, أما في عام 2005م فقد تفوقت الطالبات في القسم العلمي بــ 15 مقعداٍ من واقع 25مقعدا و23مقعدا في القسم الأدبي من أصل 25مقعدا, وفي العام الدراسي 2006م كانت عدد المقاعد بين البنين والبنات في القسم العلمي متقاربة إذ حصلت الفتيات على 10 مقاعد مقابل 9 للبنين, أما في القسم الأدبي فلم تسمح الفتيات للفتيان بسوى مقعدين من بين 23 مقعدا, وفي العام الدراسي 2007م استحوذت الفتيات على غالبية قائمة الأوائل في القسمين ففي القسم العلمي 14 طالبة من إجمالي 25, وفي القسم الأدبي بلغ عدد الطالبات 13 من إجمالي 17مقعداٍ, وفي العام 2008م تصدرت الفتيات أوائل الجمهورية في القسم الأدبي بواقع 13 طالبة مقابل طالب واحد, وفي القسم العلمي بواقع 11 طالبة مقابل 7 طلاب, وفي العام 2009م سيطرت الفتيات بشكل كامل على أوائل الجمهورية في القسم الأدبي بعدد 11 طالبة, أما القسم العلمي فقد صنع البنين لأنفسهم رقما وحصلوا على 12 مقعدا مقابل أربع طالبات, وفي العام 2011م حطمت الفتيات الرقم القياسي للسنوات السابقة وحصدن 11 مقعداٍ من أوائل القسم العلمي من أصل 19, وفي القسم الأدبي 12 مقعداٍ من أصل 14 مقعدا, أما في العام 2012م فواصلت الفتيات رحلة التألق وحطمن الرقم القياسي المسجل باسمهن العام الماضي إذ حصدن أوائل القسم الأدبي بنسبة 100 % و75 % من أوائل القسم العلمي وفي العام الماضي 2013 حصدت الفتيات 22 مقعدا في القسم العلمي من أصل 37 مقعدا وواصلن احتكارهن المطلق للقسم الأدبي فحصدن العشرة المراكز الأولى التي تنافس عليها 13 طالبة وأخيرا وربما ليس آخراٍ سجلت الطالبات في العام 2014م تفوقا بلغت نسبته 100 % في أوائل القسم الأدبي ومثلها في القسم الانجليزي ونحو 85 % في القسم العلمي بعدد 20 طالبة من أصل 34. دوافع نفسية الدكتور عبدالحافظ الخامري أستاذ علم النفس بجامعة صنعاء قدم عرضا مفصلا للأسباب النفسية التي جعلت الفتاة في حالة تفوق مستمر بعكس البنين الذين يتدهور مستواهم بشكل غير مبرر وقد قسم الدكتور تلك العوامل النفسية إلى ثلاثة أقسام الأول عوامل إبداع نفسية من صنع الفتاة والثاني المدرسة وبرامجها وأساليبها التعليمية والثالث السياسة التعليمية في البلد بشكل عام, وقد بدأ الدكتور الخامري حديثه عن القسم الأول وقال : «إبداع الفتاة وتفوقها يأتي لهدفين هما في غاية الأهمية بالنسبة لها, فالهدف الأول يتمثل في إصرار الفتاة على إثبات ذاتها وسط مجتمع لا يعطي المرأة أهميتها الحقيقية أما الهدف الثاني فهو اعتقاد الفتاة بأن هروبها إلى الأمام نجاة لها من الاستضعاف المجتمعي لها, فهي تصنع لنفسها قيمة تكسبها احترام الجميع». ويتابع الدكتور الخامري الحديث ولكن عن المدرسة والعوامل النفسية التي ساعدت الفتاة على التفوق والبنين على التراجع, إذ يقول : «هناك عوامل نفسية كثيرة أحدثتها المدرسة وكانت سببا في تفوق الفتاة من جهة وتراجع البنين من جهة أخرى فمثلا إذا ما نظرنا إلى أسلوب تعامل المعلمات في مدارس البنات مع الطالبة سنجد الخطاب الراقي البعيد عن العنف والسخرية والتوبيخ وسنجد الإدارات تحاول أن تخلق في نفسية الطالبات جو التنافس على التحصيل العلمي لكننا بالمقابل سنجد العكس تماما عند الأولاد فبعض المعلمين يتعاملون بأسلوب فض غليظ ويصفون طلابهم بكلمات نابية, كذلك الإدارات لا تولي الطالب أي اهتمام, وبالإضافة إلى الأسباب السابقة تأتي السياسة التعليمية للوزارة لتضرب المسمار الأخير في نعش إبداع الأولاد فعلى سبيل المثال نجد طريقة وضع الامتحانات الثانوية لا تخدم سوى من يمتلكون ملكة في الحفظ وهو ذات الأمر الذي تجيده الفتاة وبالتالي يسبب هذا الأمر أزمة نفسية عند الطلبة». أستاذ علم النفس بجامعة صنعاء يعود مستدركا ليؤكد أن إصرار واجتهاد الطالبات هو السبب الأبرز لتفوقهن وأن إهمال البنين هو سر تراجع مستواهم وابتعادهم عن مضمار المنافسة, ويوصي الخامري وزارة التربية والتعليم بإعادة النظر في العملية التعليمية برمتها كما أكد على ضرورة أن تقرر الوزارة مادة تعليمية تهتم بتقويم سلوك الطلبة على أن تْدرس منذ الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي بهدف إعادة بناء الحالة النفسية المتدهورة عند الطلبة . الدكتور صالح الظاهري _ أستاذ الإدارة العامة والإدارة المدرسية_ يعتبر تفوق الطالبات إنجازا كبيرا لهن, لكنه يرى أن غياب البنين عن مراكز المنافسة ظاهرة ستؤثر على التنمية الشاملة في الوطن, ويعتقد الظاهري _ أن أسباب تراجع أداء الطلاب الذكور يعود إلى عاملين أساسيين الأول الإدارة والثاني البيئة المجتمعية, ويقول : «لعل أبرز العوامل التي جعلت الفتاة تتفوق وباستمرار إلى جانب اجتهادهن طريقة وضع الامتحانات الثانوية, فهي طريقة تعتمد إلى حد كبير على الحفظ , كما يلاحظ أن الإدارات المدرسية للفتيات يعملن على تشجيع الطالبات فيما بينهن على عكس مدارس البنين تماما, إلى جانب هذه العوامل تأتي البيئة المجتمعية لتصنع الفارق, فالبنات غالب أوقاتهن داخل المنازل والأولاد خارجها الأمر الذي جعل الفتاة أكثر اجتهادا والتزاما بالواجبات المدرسية». ويضيف: «هناك عوامل أخرى تتمثل في درجة الالتزام بالحضور والسلوك المثالي داخل المدرسة وطريقة تعامل الإدارات, فالملاحظ أن الفتيات هن أكثر التزاما بكل تلك المميزات». الظاهري يرى أن حل المشكلة يكمن في إعادة النظر في العملية التعليمية في اليمن بشكل عام لكلا الجنسين وإعادة النظر في طريقة وضع اختبارات الثانوية بشكل خاص كاعتماد المعدل التراكمي منذ الصف الأول الثانوي . البيئة التعليمية خالد الغشم _ الوكيل الأكاديمي لمدرسة جمال عبدالناصر للمتفوقين _ لا يشكك في موضوع تفوق الفتيات المستمر على الأولاد فهن مجتهدات – كما يقول – لكنه يؤكد أن ابتعاد الأولاد عن المنافسة يعود إلى جملة من السياسات التعليمية الخاطئة التي ارتكبت خلال الفترة الماضية, ويؤكد أن الطالبة ليست أذكى من الطالب كذكاء فطري بل إن الأولاد في محيطنا يتمتعون بذكاء كبير. الغشم طرق موضوع البنية التحتية لمدارس البنين من جهة ومدارس البنات من جهة أخرى, فيقول: «الملاحظ أن مدارس البنات الثانوية وضعها أفضل بكثير من مدارس البنين, ففي الوقت الذي تتوسع فيه المدارس النموذجية للفتيات وذلك بسبب الدعم الكبير الذي تحظى به مدارس البنات من قبل المنظمات العالمية هناك انعدام شبه كامل للمدارس النموذجية للبنين في أمانة العاصمة وبقية المحافظات». ويرى الغشم أن إهمال مدارس البنين لم يقف عند انعدام المدارس النموذجية فالبيئة الصفية أيضا للبنين داخل المدرسة سيئة جدا فهي – كما يصفها – أشبه «بمعسكر» فمتوسط عدد الطلاب داخل الفصل الدارسي أكثر بكثير من متوسط الطالبات. ما قاله الغشم عن إهمال الوزارة لتعليم البنين تؤكده الإحصائيات الرسمية ففي موضوع البنية التحتية فإن معدل الزيادة الكلية في بناء مدارس البنين الأساسية جاء 27 % بالسالب, مقابل 32 % لمدارس الفتيات الأساسية و32.4 % للثانوية بنين مقابل 77% لمدارس الثانوية بنات و4 % للمدارس الأساسية الثانوية بنين مقابل47% للمدارس الأساسية الثانوية بنات من جهة أخرى بلغ معدل الالتحاق الكلي للبنات خلال الــ14 سنة الماضية 54.48 % مقارنة بـ 18 % أما بالنسبة لمعدل الالتحاق بالثانوية العامة فمعدلها للبنات 91 % مقارنة بـ 11 % للبنين . الموقف الرسمي وكيل قطاع التعليم بوزارة التربية والتعليم الدكتور أحمد امطلي دافع عن الوزارة من جهة وإنجاز الفتاة من جهة أخرى وقال أن: الوزارة لها كوادرها ولها سياساتها التي تعمل ليل نهار لتنفيذها وللرقي بالعملية التعليمية وأكد على أن الوزارة تولي الطلاب والطالبات نفس الدرجة من الاهتمام . لكنه اعترف أن العملية التعليمية في اليمن برمتها تحتاج إلى إعادة نظر فالبنية التحتية غير مهيأة لتنشئة أجيال كتلك التي نبحث عنها في أحلامنا وكذلك الكادر التعليمي يحتاج إلى تدريب مكثف ومنهجي ويذكر «أمطلي» موقفا لخص من خلاله وضع الطلاب في بعض المدارس, فيقول: «قمت بزيارات إلى بعض المدارس ووجدت معلمين منظرهم الخارجي يبعث الأسى وتعاملهم لا يمت للتربية ولا للتعليم بصلة», ويعلق قائلا: «بمعلمين كهؤلاء كيف لنا نبني أجيالاٍ وكيف سيتمكن الطالب من الإبداع». في ذات السياق يتفق الدكتور «أمطلي» مع من ينتقد طريقة وضع الامتحانات الثانوية وأكد أنها بالفعل لا تخدم سوى من يجيدون الحفظ غير أنه يعود ويؤكد أن الوزارة حاولت مرارا وتكرارا محاكاة الطرق العالمية في وضع الامتحانات كالطريقة الأمريكية مثلا غير أن موضوع كهذا يحتاج إلى وقت كبير لتطبيقه . سالم محمد باصهيب معلم وولي أمر من أبناء محافظة أبين أكد أن السبب الأول لتفوق الفتيات هو اجتهادهن وأن سبب تراجع مستوى الطلاب هو تلاعبهم وعدم اهتمامهم بمستواهم العلمي لكنه لا يفوت فرصة انتقاد البيئة التعليمية للبنين فهو يعاني كثيرا عندما يؤدي الدرس في فصل دراسي عدد الطلاب فيه يصل إلى 150 طالباٍ . كما أكد عدد من المعلمين أن اجتهاد الفتيات والتزامهن بالحضور وأداء الواجبات المدرسية كفل لهن حق التميز وهو الأمر الذي لا يفعله الأولاد غالبا . الطلاب أنفسهم انقسموا بين معترف بالتقصير ومتنكر ومن هؤلاء, الطالب معين جميل الذي قال بأن تفوق الطالبات سببه «المجاملة» غير أن زميله محمد يقاطعه ويرد عليه بالقول : «لماذا الكذب¿ هن أكثر اجتهادا في المنزل وأكثر تفاعلا في الفصل الدراسي مع الأساتذة « . الظلم ظلمات من خلال ما خرج به هذا التحقيق فإن العملية التعليمية في اليمن تعاني من مشاكل كثيرة واختلالات في عملية تقييم الطالب إلا أن هذه المشاكل لا تنفي إطلاقا إهمال الطلاب لتعليمهم العام كما أنها لا تقلل من مدى تفوق الفتيات وتميزهن على مدى أكثر من عقد من الزمن .