الرئيسية - تحقيقات - مدارس ومراكز دينية تحولت إلى معامل فكرية تنتج العنف
مدارس ومراكز دينية تحولت إلى معامل فكرية تنتج العنف
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

■ أكاديميون: هناك مناهج ذات طابع ديني متشدد تكرس ثقافة العنف والكراهية والطائفية خبراء ومتخصصون: على الأحزاب رفع يدها عن المدارس الدينية

كانت المدارس والمراكز والجامعات الدينية البوتقة التي يشع منها نور الإسلام ومعانيه السامية كالوسطية والاعتدال وقيم التسامح والمحبة … ولهذا فقد حظيت هذه المدارس باهتمام وثقة المجتمع اليمني المحافظ دينياٍ غير أن السنوات الأخيرة كشفت عورة تلك المدارس والمراكز بعد أن تحولت إلى بؤر للشحن الطائفي والمذهبي والتشدد الديني المقيت وأفرزت من رحمها عناصر متطرفة وتكفيرية متشددة أدخلت الوطن في محن لا طاقة له بها ويأتي ذلك وسط تزايد تحذيرات أطلقها أكاديميون وباحثون ومنظمات تهتم بالسلم الاجتماعي من التهاون بمخرجات تلك المدارس .. في الحلقة الأولى من هذا التحقيق نطرح بين أيديكم واقع المدارس الدينية داخل المجتمع اليمني وتوجهاتها الأيديولوجية المنفلتة والبعيدة عن الرقابة الحكومية.

ثمة مظاهر متعددة تلقي بآثارها السلبية على المجتمع تجعل من توحيد المناهج والمؤسسات التعليمية ضرورة ملحة بحيث تكون المخرجات واضحة تخدم الطالب والوطن في آن واحد غير أن اليمن تعيش حالة من عدم الانضباط في قطاع التعليم ففي الوقت الذي تحاول فيه الدولة توحيد المناهج وفق أسس علمية واضحة تخدم التنمية الشاملة والمستدامة تنشط بعض المدارس الدينية ذات الطابع الديني المتشدد بمناهجها المختلفة والمتشعبة والتي تأتي وفقا لأهداف أصحابها سواء كان مذهبا أو طائفة أو أحزاباٍ بعد أن تحولت إلى بؤر للشحن الطائفي والمذهبي والتشدد الديني فشعرت الحكومة آنذاك بخطورة الموقف وصدر قرار مجلس الوزراء رقم (234) للعام 2001م بتحويل المعاهد العلمية إلى مدارس تدرس المنهج الموحد المقر من قبل اللجنة العليا للمناهج التابعة لوزارة التربية والتعليم وبذلك تم إنهاء عهد من التعليم المزدوج الذي ظل لأكثر من 23عاما وبالتالي تم توحيد المخرجات والفكر في منهج واحد يخدم الانسان والبلد غير أن الفترة الماضية حملت في طياتها ظهور عدا من المدارس والمراكز الدينية والتي تدرس فيها مناهج خاصة يضعها القائمون عليها وبحسب أجندة طائفية ومذهبية وظلت المخاوف تراود الجهات الرسمية من تمكن المتشددين من اختراق هذه المراكز واستقطاب الشباب وغرس أفكارهم المتشددة داخل عقولهم تحت (عباءة الدين) ويبدو المشهد اليوم وكأنه الحقيقة التي شعرت بها الدولة يوما ما ماثلة من خلال الأعمال الأرهابية التي تصاعدت وتيرتها أكثر وأكثر منذ مطلع العام 2011م وطالت مدناٍ يمنية كثيرة كمحصلة لمسار غير سوي من التعبئة الخاطئة.

مغرر بهم زياد الغوري شاب في الـ 15 من عمره كان يرسم أحلامه بيده ويخططها بقوسه ومنقلته على كراسته إذ كان يطمح بأن يكون طبيبا أمينا على أرواح الناس وحتى يحقق هذه الأمنية اجتهد زياد في مدرسته الحكومية ليكون طبيبا وانضم إلى مدرسة دينية في المساء ليتعلم منها ما يقوم أخلاقه حتى يكون أمينا في مهنته وبعد فترة ليست بالطويلة من انضمامه إلى تلك المدرسة الدينية والتي كان يديرها شيخ دين متشدد في آرائه وفتاواه الدينية وجد والد زياد ابنه وقد تملكه شعور الكراهية لكل الناس وتبع ذلك مباشرة حب الانتقام إذ كان يرى أن كل شيء في هذه الدنيا يجب أن يتغير ولو كان الثمن قنابل نووية تلقى على رؤوس الناس والسبب ـ كما يرى ـ أن كل الفرق والطوائف التي تخالفه على خطأ ويجب أن تتوب إلى الله .. خاف الرجل على ابنه الوحيد وأراد أن يتأكد ما الذي يتعلمه ابنه ليكون قلبه بهذا القدر من القساوة فاكتشف أن رجال الدين هناك يقومون بتعبئة الأطفال والشباب دروساٍ في العقيدة التي لا تتناسب مع مستوى أعمارهم ويغرسون في عقولهم أفكاراٍ مغلوطة عن الاسلام تبعث في نفوسهم الكراهية والحقد وحب الانتقام ويستدلون لهم بآيات قرآنية حتى يقتنعوا كقوله تعالى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” وكذلك قوله تعالى ” وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة” وبعد أن تأكد والد الشاب من تلك الافكار المغلوطة قرر أن يمنع ابنه من الذهاب إلى تلك المدرسة وإلى ذلك الشيخ غير أن ابنه رفض أمر أبيه ودعاه إلى الجهاد في سبيل الله وعلى حين غفلة ذهب زياد إلى الجهاد الذي يروح ضحيته مواطنون وجنود أبرياء من اليمنيين المسلمين الموحدين.

جنون بتلك الأنفة المشوبة بالجنون وبمنطق الزيف الجاثم على صدور المخدوعين بأن الإسلام أصبح كفيلم من أفلام هوليوود حصريا على قناة بعينها أو جماعة بأحاديثها التي اقتنعت بها وروجت لها يقوم الشاب لطفي سعد الدين بتغيير اسمه إلى أبو الفداء بعد أن أصبح رهن إشارة شيخه الجليل الذي قضى معه في مدرسته فترة تتجاوز السبع السنوات تعلم خلالها الكثير من تفاصيل الدين الذي يراه أنه الأنسب للناس ومن تلك التعليمات ـ حد تعبير أحد أقرباء الشاب ـ أنهم يرون أن في قتل العامة تأديباٍ للخاصة وأن قتل العملاء ــ يقصدون الجنود في المعسكرات ـ مقدم على قتل الأعداء وأننا ما خلقنا إلا لنموت ويستدلون على ذلك بأحاديث حرفوا مسار معانيها الصحيحة واستبدلوها بمعانيهم المقيتة الانتقامية . زميله مراد أراد أن يلفت الانتباه ويعقد مقارنة بين حياة أبي الفداء قبل وبعد انضمامه فقال ” آخر مرة التقيت به كانت في المقهى وضحكاته اللامتناهية يردد صداها جدران المقهى وكان في ذلك اليوم حالقاٍ ذقنه ومقصراٍ لشاربه يلبس ثوبه الرمادي الجميل كان ذلك قبل أراه وقد ارتمى في أحضان القاعدة وقد أطلق العنان للحيته وشاربه وغير اسمه إلى أبي الفداء وأصبح يسفك دماء الناس باسم الجهاد في سبيل الله. أما ( أ ـ ج ) فلا تختلف قصته كثيرا عن سابقاتها من حيث التعبئة الدينية المتشددة والتي تكرس الفكر الطائفي والمذهبي بل والأفكار التملكية الإرهابية في نفوس الشباب غير أن هذا الشاب انتهت قصته بمداهمة الجيش للمنزل الذي كان يخطط فيه لتنفيذ عمليات إرهابية ضد اليمنيين. يوضح محمود المختار مدير التوجيه والإرشاد بوزارة الأوقاف حجم الظاهرة بالقول:هذه الظاهرة قائمة في عدد من المحافظات وكثيرا ما تستغل الجماعات الإرهابية البيئة المناسبة فتنشئ مراكز دينية وتبدأ في استقطاب الشباب وتشرع في غرس الفكر التكفيري في عقولهم فتجهزهم للانخراط في عملياتها الإرهابية التي يروح ضحيتها أناس أبرياء مسلمون مسالمون ومما ?شك فيه أن تنظيم القاعدة قد استغل المراكز والمدارس الدينية في نشر معتقداته وهناك تيارات دينية ?تمت إلى هذا التنظيم بأي صلة و?يستغلون المراكز الدينية في مثل هكذا أعمال لكن ?بد من إخضاعها للرقابة والإشراف الحكومي ويضيف:من المفترض أن يتم إنهاء العشوائية في المجال التربوي والتعليمي ويتم توحيد المناهج ويمنع أي منهج مخالف في أي مركز ديني حتى في مراكز تحفيظ القرآن الكريم في المساجد و?بد من إلزامها بالمنهج المعد من وزارة الاوقاف والذي وقع عليه مائة عالم من علماء الوسطية والاعتدال وبما يمنع التطرف والغلو ولابد من تنفيذ هذه التوجيه رغم كل الصعوبات.

مواجهة في اتجاهين يؤكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية سعيد الجمحي أن التنظيمات الإرهابية تستمد ديمومتها واستمراريتها من المعاهد والمراكز الدينية ويقول: مما لاشك فيه أن تنظيم القاعدة ليس عصابة حتى إذا قضي على رأسها وعلى بعض عناصرها الفاعلين سوف ينتهي فهذا التنظيم عبارة عن منظومة فكرية تتوالد يوما بعد يوم لهذا يقر دائما أن مكافحة الارهاب عسكريا أمر مطلوب ومكافحته أمنيا أمر مطلوب وبالتزامن يجب أن يصاحب كل هذا إصلاحات اقتصادية تعالج مشكلة الفقر والبطالة وإصلاحات سياسية وداخلية و?بد من القيام بخطوات حقيقة للتخلص من الأفكار المتشددة التي تروجها الجماعات الإرهابية وتدسها في عقول بعض الشباب فهذه الجماعات تحارب الآن عسكريا و?تحارب فكريا والمفترض أن يتم تجفيف منابع الإرهاب ومنع أي تعليم عشوائي تستخدمه هذه الجماعات لتوليد فكرها الهدام تحت عباءة الدين فالحرب الحقيقية مع تنظيم القاعدة لن تكتمل إلا بعد محاربة فكرها لأن الحرب العسكرية وحدها تنهي جسدا فيما تبقى الفكرة قائمة وشدد على تعزيز دور المؤسسات التعليمية وإلغاء المعاهد والمراكز الدينية التي تدرس مناهج يضعها منظروها وبحسب أيديولوجياتهم الخاصة والتي يسعون من خلالها لاستقطاب الأنصار.

تهديد للسلام أما الدكتور حمود العودي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء اعتبر المدارس الدينية في اليمن إحدى القضايا التي تؤرق المجتمع وتهدد السلام الاجتماعي المحلي والإقليمي والدولي ويرفض العودي تسمية تلك المدارس بهذا الاسم فقد وصفها بأنها مجرد أوكار ومراكز تعبئة مذهبية وطائفية وتمارس العنف وتسبب المآسي وتزرع الفرقة بين المجتمع اليمني الواحد في أفكاره ولغته ودينه وأعرافه وأسلافه ويأسف الدكتور العودي كثيرا على الشباب الذين تستخدمهم تلك الأوكار كأدوات لتحقيق أهدافها ـ حد تعبيره ـ وأكد العودي أن ما تقوم به هذه المراكز من نشر لما يسمى بالتسنن والتشيع الذي سبب الدمار والخراب للمسلمين أمر برفضه الإسلام نفسه إذ يعني التسنن اتباع سنة رسول الله والتشيع يذهب في نفس المعنى وهو حب رسول الله وآل بيته ومن تبعه إلى يوم الدين . من جهة أخرى حذرت عدد من المنظمات المحلية والدولية ذات العلاقة بالسلام المحلي والعالمي من خطورة المدارس الدينية التي يستغلها تنظيم القاعدة الإرهابي بعقيدته الضالة في شن عملياته ضد المدنيين والعسكريين والمصالح الحكومية والخاصة وقد بلغت هذه الحملة الشرسة أوجها خلال الثلاثة الأعوام المنصرمة .

أرقام كارثية وتظهر إحصائيات أنه بسبب العنف والتطرف في اليمن فإن حوالي 40 ألف شخص في اليمن سقطوا بين قتيل وجريح خلال العامين الماضيين كما أدت الحروب الداخلية إلى زراعة الألغام وأدى العنف إلى رفع نسبة الفقر والبطالة وسط السكان حيث تشير إحصائيات أخرى إلى أن حوالي 10 ملايين يمني يقعون تحت خط الفقر وأن حوالي 12 مليوناٍ يفتقدون للمياه النظيفة وقد تكبدت الدولة خسائر مالية فادحة تقدر بعشرات المليارات منها على سبيل المثال خسائر قطاع النفط خلال العام الماضي والتي قدرت بـ 4.3 مليار دولار و300مليون دولار خلال الربع الأول من العام 2014م. بعد أن ثبت ضلوع بعض المراكز والمدارس الدينية في تقوية قواعد الإرهاب وتأسيس قواعد أخرى تعمل على خلق مشاكل اجتماعية وثقافية وسط المجتمع اليمني الواحد والموحد فإنه من الواجب على الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العبث بعقول الشباب والأطفال اليمنيين ولكن قبل ذلك تابعونا في الحلقة الثانية التي ستكشف عن أسباب هذه المشكلة وتداعياتها حتى يتسنى معالجتها.