الرئيسية - تحقيقات - قصور البنية التحتية محدودية الدخل القات.. أشباح تحاصر المواطن
قصور البنية التحتية محدودية الدخل القات.. أشباح تحاصر المواطن
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

لعل اليمنيين هم الشعب الوحيد الذي يأتي التنزه والترفيه في أسفل سلم اهتماماتهم فعلى ما للنزهة من أهمية في الإجازات التي يحصل عليها الواحد منا بهدف الترويح عن النفس والتخفف من أثقال الحياة وأعبائها إلا أن الكثيرين لا يولون هذا الأمر أدنى اهتمام كما أنها تندر في مجتمعنا الإجازات التي يأخذها الموظف أو العامل بقصد التنزه والترويح عن النفس والقليلون الذين يستشعرون أهمية هذا الجانب وانعكاساته النفسية إلا أن ثمة إجازات إجبارية كالأعياد مثلاٍ وهنا يبرز سؤال مفاده كيف يقضي الناس إجازة العيد وما مدى وعيهم بالتنزه كثقافة وممارستهم له.¿

يعرف التنزه بأنه أي نشاط يقوم به الإنسان بقصد الترويح عن النفس وكسر روتين الحياة اليومية والتحرر من البقاء حبيس الجدران كالخروج إلى الحدائق والمتنفسات والسفر والخروج إلى الطبيعة وممارسة بعض الهوايات والنشاطات الترفيهية. وبالنظر إلى ذلك التعريف فإننا سنجد إن قلة من المجتمع اليمني هي التي تعنى بالتنزه كأسلوب للترفيه والاستمتاع بوقت الفراغ والإجازات سيما وأن الواقع العام برمته لا يشجع على ذلك حيث يبقى المواطن حبيس الجدران في الإجازات وذلك نتيجة لعوامل متعددة قد لا تبدأ بعدم توفر البنية التحتية اللازمة ولا تنتهي بالوضع الاقتصادي ومستوى دخل الفرد. خيارات شبه منعدمة ما إن تبدأ حديثا مع أي شخص عن أهمية أخذ إجازة بين فترة وأخرى بهدف التنزه والترويح عن النفس وانعكاسها إيجابيا على حياة الفرد وحالته النفسية وسلوكه ومستوى إنجازه حتى يوافقك على تلك الأهمية غير أن الغالبية العظمى من الناس يبدون تذمرا واضحا من عدم تمكنهم من التنزه والاستمتاع والترفيه عن أنفسهم أثناء أي إجازة يأخذونها حيث يرى ماجد زرق موظف أنه حتى وإن توفرت له فرصة الإجازة إلا أنه يجد نفسه عاجزا عن الاستمتاع بها والسفر إلى مناطق لم يزرها من قبل أو محافظات أخرى وذلك نتيجة لما يتطلبه السفر من تكاليف تفوق قدرة الموظف البسيط والمواطن محدود الدخل. ويضيف ماجد: لو أني فكرت بالسفر أثناء إجازة ما بما فيها إجازة العيد فإنني أحتاج إلى مبلغ كبير ليس من السهل عليٍ كموظف بسيط توفيره ولا سيما في فترة العيد وهي المناسبة التي تعتبر مكلفة على أي مواطن نتيجة ضرورة شراء متطلبات ومستلزمات العيد وفي مثل ظروفنا المعيشية التي تعج بالأزمات فإن العبء يزداد فالمواطن بالكاد يستطيع تأمين ما يحتاجه هو وأسرته من المتطلبات الضرورية فضلا عن أن الكثيرين يعجزون عن الوفاء به كلها فمن كان هذا حاله فإنه بلا شك لن يفكر مجرد التفكير في التنزه والترفيه والسفر. تكثر المعيقات أمام المواطن اليمني وتغيب الخيارات في سبيل حصوله على إجازة مثالية من خلال فرصة الترفيه عن النفس والاستمتاع بوقت الإجازة التي نادرا ما يحصل عليها ففي حين يشكو البعض من الكلفة الباهظة للسفر إلى مناطق أخرى لقضاء إجازة ممتعة والتي يصعب على الكثير من الناس توفيرها يشكو آخرون من عدم توفر المتنزهات المتنفسات والحدائق اللازمة في إطار المدينة الواحدة فنظراٍ لعجز الحدائق والمتنفسات عن استقبال الكم الكبير من الزائربن نتيجة للكثافة السكانية وقلة هذه المتنفسات وأيضا عدم توفر خدمات مثالية وجاذبة في هذه الحدائق على قلتها تنعدم الخيارات أمام الكثيرين فيرضخون للأمر الواقع المتمثل في البقاء في البيوت والدفع بالأطفال إلى الشوارع لإشباع حاجتهم إلى اللعب كيفما اتفق. ليس ثمة ما يغري بالنزهة يقول المواطن علي عقبة: في الحقيقة ليس هناك ما يغري في حدائقنا لزيارتها أيام العيد أو غيرها من أيام الإجازات بهدف التنزه فالخدمات في الحدائق العامة شبه منعدمة هذا من ناحية أما من ناحية أخرى فإننا إذا ما قارنا هذه الحدائق بالعدد الكبير من الزائرين لهذه الحدائق والمتنفسات التي لا تكاد تتسع للكم الكبير من الناس فسنجد أن المواطن يفضل البقاء في بيته وقضاء الإجازة بأي شكل كان على الازدحام والتدافع وانعدام الخدمات في حدائقنا العامة حيث أن وجود حديقتين فقط في أمانة العاصمة التي تشهد ازدحاما سكانيا لا يمكن أن يوفر للزائرين فرصة ترفيه مناسبة. ويضيف عقبة : أما بالنسبة لبعض المولات التجارية التي توفر مرافق ترفيهية كالمقاهي وحدائق ألعاب للأطفال فهي مقتصرة على فئة معينة من الناس بحيث لا يمكن لمحدودي الدخل الدخول إليها لأن الهدف منها تجاري بحت. حين تكون الحياة دواماٍ مستمراٍ الوضع الاقتصادي والحياة المعيشية هما أكثر ما يؤرق المواطن البسيط ففي ظل الأزمات المتوالية التي تعاني منها البلاد فإن الكثير من العاملين بالأجر اليومي أو الحرفيين وعمال البناء لا يدخل التنزه والترفيه في دائرة اهتمامهم حيث يبدون حريصين على استثمار الوقت لكسب بعض المال حتى في أيام الإجازات بل البعض يجدها فرصة يحصل فيها على العمل ولا سيما وأن الجولات تكتظ بأعداد من طالبي العمل الأمر الذي جعل سوق العمل باليومية تشهد كسادا بل إن البعض منهم يجدها فرصة للعمل بأجر أعلى من المعتاد وبشكل خاص في إجازات الأعياد حيث ينصرف الكثير من العمال والحرفيين الوافدين من خارج المدن إلى قراهم لقضاء الإجازة مع أسرهم.. يقول علي ثابت عامل بناء: لا أفكر في التنزه مطلقا لأنه يتطلب مني تكاليف لا أستطيع توفيرها خاصة وأنا أعمل باليومية وعلى باب الله لذلك أستغل الإجازة في البحث عن عمل ففي العادة فإن العمال يعودون كل إلى بلاده لقضاء العيد لذلك يرتفع أجر العمال ونحصل على بعض الفرص وهذا يعود علينا بفائدة نحرص على أن لا نضيعها. عادات اجتماعية إضافة إلى عدم توفر البنية التحتية المثالية للتنزه والوضع الاقتصادي وما يضيفه على كاهل المواطن من أعباء فإن العادات والتقاليد الاجتماعية هي الأخرى تتحكم بالتنزه كثقافة وخاصة في مجتمع محافظ كالمجتمع اليمني فالتنزه في مجتمعنا وعلى وجه الخصوص بالنسبة للعائلات يجب أن تتوفر له بيئة ملائمة بحيث لا توجد مضايقات ولا متطفلين على الأسرة أثناء التنزه حيث أن الكثير من الناس بدأوا في الانصراف عن الحدائق والمتنفسات العامة هروبا من حالات المضايقة التي يمكن أن يتعرضوا لها.. يقول علي ناصر مواطن: أنا أفضل الخروج إلى أماكن مفتوحة فهناك يمكنني أن آخذ راحتي أنا وعائلتي ونسلم من المضايقات وما يمكن أن تجرنا إليه من مشاكل.. ويضيف: حالات عديدة شاهدناها وأخبرنا عنها آخرون تحدث فيها مشاكل كبيرة تصل أحيانا إلى استخدام السلاح بسبب المضايقات التي تتعرض لها العائلات في الحدائق العامة لذلك فإن البعض صاروا يعزفون عن ارتياد هذه الحدائق لهذا السبب. القات كبديل منافس رغم كونه عادة اجتماعية سلبية فإن تعاطي القات يعد هو الآخر من أهم أسباب تدني ثقافة التنزه لدى المجتمع فثمة من يعتبره وسيلة للترفيه والترويح عن النفس والاجتماع بالأهل والأصدقاء حيث يستغلون أيام الإجازات للتجمع و»التخزينة» بل إن البعض ينظر إلى ذلك على أنه أهم من الخروج للتنزه.. يقول أمين العماري موظف قطاع خاص: الإجازات فرصة بل هي الفرصة الوحيدة للاجتماع بالأهل والأصدقاء لذا فإن القات باعتباره عادة اجتماعية هو أفضل وسيلة لقضاء أوقات الإجازة مع الأهل والأصدقاء. «لمن استطاع إليه سبيلا» لسنوات عديدة سابقة كان العيد هو الفرصة الوحيدة أمام سكان المدن الذين قدموا من الأرياف أو حتى الذين لهم أقارب في القرى للتوجه إلى قراهم لقضاء إجازة العيد كنوع من الترفيه والنزهة وأيضا بقصد زيارة الأهل والأقارب وقضاء وقت ممتع بعيدا عن ضوضاء الحياة وصخبها في المدينة.. وفي المقابل كانت المدن تصاب بالشلل في الأعياد وتخفت الحركة فيها غير أن هذا العيد لم يكن كالأعياد السابقة حيث حافظت العاصمة على وتيرة الحياة فيها وبنفس الإيقاع إذ ظل الازدحام مستمرا في جميع مرافق الحياة ما يوحي بأن الناس وخاصة العائلات لم يكونوا قادرين على السفر إلى قراهم لقضاء فترة العيد هناك وذلك لأسباب عديدة لعل أهمها أزمة المشتقات النفطية التي شهدتها البلاد منذ شهور وامتدت إلى الأيام الثلاثة الأولى للعيد وقد علق الشاعر محمد صالح الجرادي على مشهد العاصمة في هذا العيد بقوله: «لقد أصبح السفر لقضاء العيد في القرية يشبه الحج لمن استطاع إليه سبيلاٍ». تكثر العوائق التي تحول دون تمكن المواطن من قضاء إجازته بصورة أمثل واستثمارها للترويح عن النفس كحق من حقوقه ولعل ما تضمنه هذا التحقيق كشف الأبرز منها غير أن التنزه باعتباره يعد نشاطا هادفا وبناء إذ يسهم في تنمية المهارات والقيم والاتجاهات التربوية والمعرفة لدى الفرد الممارس له وكذلك لما يحققه من إشباع ميول وحاجات الفرد النفسية مما يحقق له التوازن النفسي يجب علينا أن نكرسه في نفوسنا كسلوك وثقافة ولو بالقدر اليسير والمستطاع وذلك لما له من أهمية تتصل بالصحة النفسية للإنسان وبمستوى أدائه وإنجازه بل وبمستوى التوافق النفسي والاجتماعي له.