الرئيسية - قضايا وناس - رمضان ترمومتر الفقراء والأغنياء
رمضان ترمومتر الفقراء والأغنياء
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

■ معاذ القرشي – * (لوكان الفقر رجلا لقتلته) عبارة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي العبارة التي لطالما توقفت عندها لأنها جاءت من رجل عرف عنه زهده في الدنيا بالكثير من الأدلة والبراهين فكيف مع زهده وعلمه يقف من الفقر هذا الموقف الصلب الذي لم يسبقه إليه أحد. المتتبع لموقف الإمام علي من الفقر يدرك جليا حكمة الإمام علي ومعرفته بما يسببه الفقر من مآسُ في حياة أي مجتمع وكيف يحرم الإنسان من كثير من الأشياء ويجعلهم يقعون فريسة سهلة للكثير من المشاكل وإذا ما عدنا إلى ما نعانيه اليوم وبلسان السياسيين والاقتصادين والإعلاميين كلهم يجمعون على أن الفقر وراء كل ما يحدث في المجتمع.

ولكون شهر رمضان والعيد وما يوجد فيهما من طقوس وخاصة في اليمن يمثلان ترمومتر لقياس قدرات الأغنياء وعوز الفقراء وهما كذلك مؤشر يدلل على أن الهوة لاتزال سحيقة بين الفقراء والأغنياء لم تستطع حتى اليوم لا الدولة ولا الجمعيات الخيرية مهما تعددت أسماؤها ومهما تحدثت عما تقوم به من أدوار من أجل الفقراء والمحتاجين ولا الأغنياء مهما ادعوا التقوى من ردمها وهو واقع يرمي بظلاله على المجتمع فقيرة وغنية ويؤثر على نسيجه الاجتماعي من هذا الواقع جاءت فكرة نقل طقوس رمضان عند الأغنياء والفقراء من واقع حال الشارع اليمني وكما هو دون ديكور أو مساحيق. كانت البداية من أسواق الملابس التي تقف أمامها مجموعة كبيرة من السيارات الفارهة توحي بأن أصحابها هناك في الداخل يحصلون على أشيائهم ولن نضع علامة استفهام هنا فمن حق من يمتلك المال أن يستمتع في صرفة في ظل غياب الرقابة. القلة هنا حيث تعرض كل الأصناف الراقية وحيث السعر يتحطم على صخرة القدرة على الدفع وبكل العملات ولهذا تمارس أقصى صور البذخ في الإنفاق ليشمل حتى الخادمات الأجنبيات وإن كن يقبضن بالدولار. وفي نفس اللحظة وفي نفس المكان يقف في الزوايا التي لا تصلها الأضواء أعدادا كبيرة من أبناء الشعب تتفرج بصمت العاجز لقد غدا رمضان وتكاليفه وما يحتاجه عيد سيأتي بعده إلى جبل يطبق على صدورهم ويحول بينهم وبين العيش لهذا لا تستغرب أن تسمع من كثير من الفقراء عبارة يؤملون أنفسهم بها مفادها أن الغني والفقير كلاهما عائش نعم إنهما يعيشان لكنه عيش منقوص عند الفقراء تجعلهم يتوارون عن الأنظار فلا تجدهم في المحلات الراقية ولا في صالونات الحلاقة الراقية حيث يبحث أبناء القلة المتخمة عن أحدث قصات وصبغات الشعر تجعلهم يشعرون بالانفراد والتميز يمكن أن تجد الفقراء في أبواب الأغنياء أو أبواب المساجد أو بوابة جمعية خيرية يمكن أن يحصلوا منها على تمرة مع الكثير من البسمات التي توثقها الكاميرات بسمة تعبر عن أوجاع في الدخل لن تمحوها شفقة ورحمة زائفة أو مؤقتة. ورغم قلة الأغنياء وكثرة الفقراء إلا أن تكاليف رمضان تحكم عليهم بالإقامة الجبرية في البيوت حتى لا تذبح كرامتهم أكثر ومن نشاهد من الفقراء على كثرتهم هم جزء من كثير منعتهم عزة أنفسهم على السؤال والخروج إلى الأرصفة. طبقة واحدة شاهدتها هناك تتمتع بعرق المحتاجين أما الطبقة التي تمثل الأغلبية فهي منشغلة في البيوت بكيف تجعل اليوم يمر بما أمكن من المصروف منشغلة بإقناع أبنائها أن الصوم عبادة وليس كرنفالا مفتوحا لشراء الحاجيات وأن التمر والزبادي والخبز الناشف يصلح ليكون قوت رمضان وبرواية جميع الأغنياء والميسورين وتجار الحروب والقوى التقليدية وجماعات الإسلام السياسي التي تفيض موائدها بكل ما لذ وطاب وهي نفس الجماعات التي ظن الشعب أنه استطاع القضاء عليها وإذا به يعيد إنتاجها من جديد والدليل على ذلك جرح الفقر الذي زاد اتساعا ليشمل كل الجسد اليمني باستثناء من ذكرنا. فهل نستطيع أن نقول أن مجتمع هكذا حاله هو مجتمع على موعد مع مزيد من الاختلالات إذا لم تعالج الأسباب الحقيقية للفقر ولم نشرع في وضع استراتيجية وطنية شاملة توفر لقمة عيش شريفة للأغلبية المحرومة وهي الأغلبية التي تحسم خيارات الأحزاب وتوصل إلى سدة الحكم ولكن للأسف انفردت في اليمن. وحده الاسكافي (خياط الأحذية) لا يزال وفيا مع الفقراء في مختلف الأوقات فهو واحد من الفقراء والمحتاجين ويعرف أنهم سيأتون لا محالة فكيف لا يكون وفيا معهم. في ليالي رمضان التي مرت ورغم وطأة الفقر على الكثيرين بحثت عن رقة اليمنيين ولين قلوبهم فلم أجدها ربما تبخرت من كثر الادعاء بذلك دون ترجمتها إلى أفعال وكل من ليس محتاجا بدافع الحفاظ على علاقة أو مكسب تخيلوا نحن في بلد متفرد حتى في إخراج زكاة أمواله والتي لا تذهب جلها للفقراء والمحتاجين بل العكس تذهب إلى جيوب جماعات تصنع مزيدا من الفقر ومن التشرد ومن التخلف وحتى نصل إلى يوم يكون الفقر قد غادرنا سنظل بحاجة من أجل تحقيق ذلك إلى عدل وإحساس بالمحتاجين وحماية للأموال العامة وتدقيق هل ما هو حق أصيل للدولة من ضرائب ورسوم وغيرها تصل بالفعل إلى خزينة الدولة وهل تنعكس على الفقراء والمحتاجين وتحسن من أحوالهم عبر شبكة ضمان اجتماعي حديثة تعمل وفق دراسات بحثية دقيقة وتتجاوز صيغ المجاملات التي رافقت عملها في الماضي وحرموا الكثير من الحالات المحتاجة في الكثير من مناطق اليمن وهل العمل الخيري في اليمن غرضه إنساني بحت أو لا يزال مكبل بالعمل الحزبي وارتباطاته أنها منظومة من الأشياء التي يجب مراجعتها حتى نصل إلى رمضان الذي فرض أصلا للإحساس والشعور بالمحتاجين لا بالتباهي عليهم بما نملك.