الرئيسية - قضايا وناس - الكلب .. ورائحة الزوجة المفقودة
الكلب .. ورائحة الزوجة المفقودة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

منذ مدة وهو يحترق كشمعة تذوب وتتلاشى من الداخل, يستعر كبركان منصهر على وشك أن ينفجر ويتحول إلى حمم متطايرة سائلة تذيب كل ما لديه من مشاعر ورجولة بأعماقه, إنه رجل وأب لطفلة, لكنه في لحظات نسي كل ذلك, لم يعد يتذكر إلا أنه طْعن في ظهره, إلا أنه أحبها ووثق بها فغدرت به وجرحته في الصميم, أسابيع وأشهر مضت وهو يعش الألم بكل ألوانه, يحيا عذاب الجحيم بمختلف نيرانه, غدا يكره الدنيا وما فيها, ويحقد على نفسه وعلى من هم أعز إلى قلبه, تغلغلت الكراهية في كيانه وتعمق الحقد في ثنايا وجدانه ووصل إلى حالة من اليأس التام وصار لم يعد يفكر إلا في الانتقام, فأعد العدة لذلك ثم قام بقتل المجني عليها ودفن جثتها بعد تقطيعها إلى أوصال, وبعد ذلك قام بطمس معالم الجريمة معتقداٍ أن أحداٍ لن يشك فيه أو يصل إليه, ولكن إلى حين ولوقت قصير فقط, وها هي الوقائع وتفاصيلها من البداية. في ذلك اليوم الجمعة, والوقت الصباح الباكر وصل إلى مقر شرطة المنطقة بعاصمة المحافظة الرجل (الزوج), وتقدم ببلاغ إلى الضابط المناوب بالمنطقة وهو يبدي حزنه الشديد بما يفيد أن زوجته وهي امرأة شابة عمرها (28) عاماٍ خرجت في وقت عصر يوم أمس الخميس من المنزل, وذهبت بعد أن ارتدت ملابسها إلى فرح أو غناء لعروسة بطرف المنطقة, قائلةِ إنها لن تتأخر وستعود للمنزل قبل العشاء, لكن فات وقت العشاء ومضت الليلة ولم تعد, وأنه قام بالسؤال عنها في أكثر من مكان ولم يعثر لها على خبر, مضيفاٍ أنه بدأ يشك في أنها ربما تعرضت لشيء أو حصل لها مكروه, كون اختفاؤها غير طبيعي. كان البلاغ – كما بدا أول الأمر بالنسبة لضابط المنطقة ومن معه – بلاغ عادي ومن البلاغات التي تزايدت نسبتها خلال الأشهر أو الفترة الأخيرة عن هروب واختفاء فتيات ونساء من بيوتهن وأهاليهن نتيجة لظروف عائلية وشخصية معينة, ثم بعد السؤال والبحث عنهن يتم العثور على البعض منهن, والبعض الآخر يكون ظهورهن في ما بعد, وما أكثر الحالات من هذا النوع التي تتعدد البلاغات بشأنهن في سجلات الشرطة بمناطق ومحافظات مختلفة, أو هذا ما تبادر إلى ذهن الضابط بالمنطقة وهو يدون ما ذكره الزوج (المبلغ) في محضر بلاغ رسمي ليتم البدء في إجراءات البحث عن المبلغ عنها (المفقودة) على ضوئه, وسأل الضابط المبلغ (الزوج) أثناء ذلك مستفهماٍ عما إذا كانت هناك مشاكل أو خلافات توجد بينه وزوجته المختفية¿ وعما إذا كان له عداء مع أحد¿ وعن طبيعة حالة الزوجة العقلية والنفسية¿ وكذا عن نوعية علاقته الزوجية والأسرية معها كيف كانت¿ ومتى كان زواجه بها¿ وكم له أطفال منها¿ وهل هي من نفس المنطقة أم من منطقة أخرى¿ و… و…, فرد الزوج (المبلغ) بما يوضح أن علاقته بزوجته كانت ودية وهادئة ومتفاهمة, وليس هناك خلاف بينه وإياها من أي نوع, وزواجه بها كان منذ خمس سنوات تقريباٍ وهي من محافظة أخرى, وله منها طفلة عمرها حوالي أربع سنوات, وأنها حامل في الشهر الخامس أو السادس, وحالتها العقلية والنفسية سليمة, ولا تعاني من شيء. وأضاف الزوج مفيداٍ بأن لدى زوجته تليفون سيار خاص بها شريحته (إم تي إن), وقد أخذته معها حين خروجها من البيت, وأنه حاول الاتصال بها عدة مرات على رقمها, لكن تليفونها يرد عليه في كل مرة مغلقاٍ, وما زال كذلك, فقال له الضابط بعد الانتهاء من محضر البلاغ الرسمي هذا معه بما يؤكد أنهم في أمن المنطقة سيهتمون بالأمر وسيبذلون قصارى جهدهم ولن يقصروا, وإن شاء الله يكون خيراٍ, ومن جانبه عليه الاستمرار في السؤال والبحث عن زوجته, وهم إذا توصلوا إلى شيء سيتصلون به على رقم هاتفه الذي زودهم به ضمن المحضر ويبلغونه. ثم بعد هذا البلاغ من الزوج عن امرأته المختفية بخمسة أيام والتي لم يستجد فيها أي جديد وبالتحديد في اليوم السادس صادف أن وصل إلى أمن المنطقة أحد أشقاء الزوجة المفقودة والذي قال إنه من المحافظة المجاورة ويعمل كمحام مساعد في مكتب محاماة معروف بالمدينة بعد تخرجه حديثاٍ من كلية الشريعة والقانون, وأنه علم بأمر اختفاء أخته والبلاغ عنها يوم أمس من والده وأمه اللذين أخبراه أن صهرهم (الزوج) اتصل بهما قبل يومين وأعلمهما بذلك, فجاء هو بناءٍ على هذا لاستفسارهم عمِا توصلوا إليه بشأن أخته, فردوا على الأخ المشار إليه في أمن المنطقة بأن القضية ما زالت رهن التحري ولم يظهر شيء, لكن عليهم – أي أفراد الأسرة – التعاون معهم مع شرطة المنطقة من خلال مشاركتهم في عملية البحث عن المختفية إلى جانبهم, وكذلك الإدلاء بأية معلومات عنها حتى وإن كانت هذه المعلومات من النوع الخاص وغير ذات أهمية من وجهة نظرهم كون ذلك قد يساعدهم بأمن المنقطة على التوصل إلى أول الخيط لاكتشاف سر فقدانها. ثم وجه ضابط التحريات الذي أحيل إليه البلاغ عن المرأة المختفية وتكلف بالمتابعة والتحري عن فقدانها ببعض الأسئلة إلى الأخ المحامي حول أخته الزوجة المفقودة ومعرفته عن كيف كانت علاقتها بالزوج المبلغ منذ زواجها به وهل اشتكت يوما من شيء¿ وعن ماضيها قبل الزواج¿ وغير ذلك..¿! فجاء رد شقيق الزوجة بما يفيد أن أخته المختفية سبق وأن تزوجت بأحد أولاد عمه من قبل وعمرها كان 17 عاما وكان زوجها ذاك بطريقة الزواج الشغار أو البدل.. حيث أن أخته أعطيت لابن عمه وإحدى بنات عمه أعطيت لأخيه الأكبر بالمقابل وبدون تحديد أي شرط أو مهر لأي منهما من قبل أبيه وعمه اللذين تكفل كل واحد منهما أن يمهر ابنته بنفسه وبما يريد وأن أخته قد أحبت زوجها ابن العم وتعلقت به كما تعلق هو بها وأحبها بعد الزواج وكان زواجهما ناجحا ومتفاهما بينما ابنه عمة زوجة أخيه لم تثبت وسرعان ما نفرت من أخيه ولم تستقر ومضت بين الحين والآخر تذهب حانقة أو هاربة إلى بيت أبيها وأمها وبالمقابل يذهب أخوه لأخذ أخته من عند زوجها بيت عمه ويحضرها لتبقى في منزلهم حتى يتم إرجاع زوجته له أبنة عمه ثم تعود أخته لزوجها ابن العم وهكذا في كل مرة.. بحيث لم يلبث هذا الزواج البدل أو الشغار سوى سنة وثمانية أشهر تقريبا ثم اضطر أخوه لأن يطلق ابنة عمه بعد تكرار حنقها وعدم استقرارها في بيت الزوجية وإصرارها بآخر مرة على عدم العودة والطلاق وبالتالي تم إرغام ابن عمه على طلاق أخته التي كانت تريد زوجها وهو يريدها وتم إجبارهما على الانفصال غصبا عنهما وبضغط الأبوين.. وبعد ذلك وبمرور عدة أشهر تزوج ابن عمه من إحدى الأسر بالمنطقة: في حين مكثت أخته مطلقة لفترة ثم تقدم لها الرجل المبلغ عن طريق شخص صديق للخال, وزفت إليه ليكون هو الزوج الثاني لها وكانت هي لا تريد الزواج بهذا الأخير ولكن الأب أرغمها على ذلك كونها كانت مطلقة والمرأة المطلقة لها وضع آخر وليس من الصائب عدم رد أي رجل يتقدم لطلب الزواج بها حتى لو لم يكن حسب الطلب..!¿ كما أفاد الأخ المحامي بالإضافة إلى ذلك عن أخته الزوجة المختفية وحول علاقتها بزوجها كيف كانت¿ بأنه لا يعلم كثيرا عن طبيعة هذه العلاقة وأنه لم يسمع أنها اشتكت من زوجها منذ الزواج والذي كان قبل خمس سنوات تقريباٍ إلا مرة واحدة والتي أتت فيها أخته إلى منزلهم حانقة من زوجها وقائلة أنه ضربها وذلك قبل حوالي سنتين مضتا وكانت يومها لديها الابنة الطفلة التي أنجبتها منه وعمرها بالكاد تبلغ العامين.. وقد ثار أبوه وكذلك أخوه الأكبر وأراد هذا الأخير أن يذهب لضرب زوجها لتأديبه ردا على ضرب أخته ولكن الأب منعه وقال له لا تتهور وسوف نؤدبه بطريقتنا وهي أولا وأخيرا زوجته والبيوت لها أسرار..و.. ثم جاء وقتها الرجل زوجها برفقة شخصين عاقلين بمعيته إلى منزلهم بغرض المصالحة وإرجاعها ولكن الأب ومعه الأخ الأكبر ردا عليهم بأنهما لن يعيدانها إليه إلى الزوج وأن عليه تطليقها وأنه تجاوز حدوده ومد يده إلى زوجته وضربها والرجل الذي يضرب زوجته هو جبان ولا يستحقها.. ثم من خلال تدخل الشخصين العاقلين اللذين حفرا بمعيته ومراضاتهما للأب والأخ ومن أجل حل المشكلة والإصلاح ألزما الزوج بتحمل مقابل خطاه في حق زوجته حسب العرف والسلف وعمل تعهداٍ خطياٍ بعدم تكرار ما فعله وأنه إذا عاد مرة أخرى سيكون العقاب أشد وأنكى وأنه لا يلوم إلا نفسه.. ثم انتهت المشكلة على هذا وأعيدت أخته إلى زوجها وتلك هي المرة الوحيدة التي يعرف أن أخته الزوجة المختفية اشتكت من زوجها.. وما عدا ذلك لا يعلم عن أخته شيئا هذا ما أفاد به الأخ المحامي ردا على سؤال ضابط التحريات بالمنطقة حول أخته المبلغ بفقدانها. وقام بعد ذلك ضابط التحريات المكلف بالانتقال اليوم التالي إلى المنطقة محل سكن الزوج وقام هناك وعن طريق تعاون شيخ المنطقة وبواسطة بعض النساء من طرف الشيخ بطرح الأسئلة على نساء الجيران والأهالي بالمنطقة لمعرفة من كن منهن في حفلة العروسة التي أفاد الزوج في بلاغه أن زوجته المختفية ذهبت إليها بذلك اليوم الذي اختفت فيه, وسؤال من كن بتلك الحفلة هل شاهدن المرأة أتت للحفلة وكانت حاضرة معهن وإلى أين خرجت واتجهت بعدها..¿! فجاءت إجابات من كن متواجدات في حفلة العرس تلك أن أي منهن لم تر المرأة تأتي للحفلة ولم تشاهدها بذلك اليوم أبدا.. وكان هذا النفي بإجماع من تم سؤالهن.. في الوقت الذي أفادت إحدى نساء الجيران بأن الرجل الزوج أحضر في ذلك اليوم والوقت قبل العصر ابنته الطفلة لكي تلعب مع بناتها قائلا أن أمها زوجته سوف تخرج من البيت وهو سيذهب إلى خارج المنطقة لمشوارهم وأنه سيتأخر في العودة وكذلك أمها وأن أحدهما سوف يأتي لأخذها عند العودة ثم تركها الأب أي الطفلة عندهم وذهب وعاد لأخذها بعد صلاة المغرب..و..!! كما توفرت معلومة أخرى لا تقل أهمية عن الآنفة الذكر والتي أفادت بها امرأة جاره أيضا وأوضحت فيها أن الزوجة المختفية كانت كثيراٍ ما تأتي إليها وتودها وكانت أشبه بالصديقة المقربة والوحيدة لها من دون نساء الجيران الأخريات.. وأنها في بعض الأحيان كانت تحكي لها مشاكلها وأسرارها أو خصوصياتها مع زوجها ومنها أنها شكت لها أن زوجها يشك فيها وأنه كثير الارتياب والغيرة ويتوهم أشياء لا وجود لها وأنها في كينونة نفسها لم تستطع أن تحبه ولكنها مجبرة على القبول بنصيبها وأن ثمة مشادات وخلافات تحدث بينه وإياه وتكتمها بداخلها ولا تنقلها إلى أهلها وتضطر للصبر من أجل أبنتها الطفلة وأنها حاملة منه في أشهرها الأولى بالطفل الثاني. فأتت هذه المعلومة الأخيرة وسابقتها لتجعل الضابط يشعر كأنه يوشك على الإمساك بأول الخيط أو بدأ يضع قدمه على بداية الطريق للسير نحو الهدف المجهول ثم تحول بالتوسع والتعمق بتحرياته في اتجاه آخر.. ليبدأ هنا اكتشاف السر الغامض تدريجيا ثم في نهاية المطاف يظهر الكلب الذي يستدل من خلاله على رائحة الزوجة المفقودة.. وتتكشف الجريمة المروعة و… فكيف ذلك يا ترى..¿ وما هو اللغز الخفي لاختفاء الزوجة¿ ومن وراء اختفائها¿ ثم ظهور جثتها مدفونة¿ كل ذلك بعدد الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى وإلى اللقاء.