الرئيسية - قضايا وناس - الجوال المسروق .. وانتحار “أمرية” في مياه السد
الجوال المسروق .. وانتحار “أمرية” في مياه السد
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

● محمد العزيزي –

كانت أمرية منذ نعومة أظفرها تعشق العلم والتعليم º لم تقف قسوة معيشة الريف والظروف التي تحيط بالمجتمع الريفي في مكابدة الحياة ومعاناتها أمام إرادة وعزيمة الشابة .. درست الابتدائية وكانت أمرية من الطالبات المجتهدات º تتحصل دوما على إحدى المراتب الخمس الأولى º وتتنافس أمرية مع بسمة وأخريات على المراتب الأولى تفوقن على زملائهن من الذكور .. لم تكن أمرية بقدر هذا التفوق العلمي متفرغة له º فهي لا تذهب إلى المدرسة إلا وقد جلبت الماء من بئر القرية في الصباح الباكر وساعدت والدتها في إعداد طعام الإفطار وقامت بكثير من الأعمال المنزلية المتعلقة بنظافة البيت وما تحتاجه المواشي, الأغنام والبقرة وغيرها .. بعد أن تكمل تجهيز كل ذلك تنطلق أمرية إلى المدرسة لتقدم يوما في الأسبوع الإذاعة المدرسية º طابور الصباح .. تمكنت أمرية من إتمام تعليمها الأساسي وأصرت على مواصلة تعليمها الثانوي حتى تحقق حلمها الكبير في خوض التعليم الجامعي º ورغم المصاعب والظروف المادية والمعيشية والواقع المجتمعي في الريف الذي لا يتيح للفتاة التعليم خصوصا الجامعي º في الصف الثاني الثانوي جاء نبأ وفاة والدها كالصاعقة ظلت حزينة على فراق والدها فهي آخر العنقود لوالديها وكان يدللها بعض الشيء º بفراقها والدها عانت أمرية الكثير لكنها قاومت كل تلك الظروف لتصل إلى حلمها الشهادة الجامعية .

حصلت الطالبة المثالية والمجتهدة على الشهادة الثانوية قسم أدبي بمعدل 80 ٪ لم تسعها الأرض بحسب أختها الكبرى التي تصف حال أمرية يوم علمها بالنتيجة باليوم البهيج فقد علمت من زملائها الطلاب أن مدير المدرسة اتجه اليوم إلى مدينة تعز ليسحب كشوفات ونتائج الثانوية º أشاد بها وهنأها أهل القرية لتفوقها.. كثير من النسوة كن يتحدثن عن آخر انجازات أمرية وأنها ستقف عن هذا الحلم لتعود كما هو حالها وحال نساء الريف بين روث ومخلفات الحيوانات وأعمال المنزل والأرض والزراعة º إن لم يأتها النصيب وتذهب إلى بيت زوجها وينتهي هذا الفرح . ظلت أمرية على مدار عام كامل وهي في حالة شغف تهيم في الوادي وعلى قمم الجبال ترعى الأغنام وتذود الأبقار º تتخيل نفسها وهي تقتحم سور الحرم الجامعي وتقعد على كرسي قاعة المحاضرات وتودع الريف وشقاءه º تتخلص من رعي الغنم وجلب الماء والحطب فهي كل يوم معنية بالماء والحطب وتساعد والدتها في أعمال المنزل .. كانت عندما تلتقي بصديقاتها من الفتيات تتحدث إليهن بطموحها وعزمها على مواصلة دراستها الجامعية º منهن من تتمنى لها التوفيق وأخريات من تستبعد ما تقوله أمرية ويعتبرن ذلك من باب الغرور ونشوة نجاحها في الثانوية العامة لا أكثر .. مرت الأيام وبدأت الجامعات تفتح أبوابها لم تنتظر طلبت من أخوها محمد أن يذهب معها إلى جامعة تعز لتلتحق بها تمكنت من ذلك وسجلت في احد الكليات النظرية وسلمت ملفها واستلمت بطاقة الطالب المستجد .. هنا دخلت أمرية مرحلة الجد وتوغلها حياة المدنية يعني بنت مدينة º أيضا بهذا الوضع الجديد تحتاج إلى الجرأة والإقدام وعدم الخوف والتردد والخجل كما هي عادة بنات الريف الأكثر حياء º كانت اكبر معضلة للطالبة الجامعية من يأتي بها من القرية إلى الجامعة ¿!!! .. قرية أمرية ليست ببعيدة عن المدينة º فقريتها تعتبر من قرى ريف مدينة تعز محاذية أو متاخمة للمدينة º أيضا هناك طلاب من أبناء قريتها يدرسون في الجامعة وبمستويات مختلفة º تأتي إليهم سيارة العم عبده يأخذهم صباحا ويعود بهم ظهرا º حاولت أمرية أن تقنع إحدى زميلاتها بالخوض معها غمار الجامعة فكان لها ذلك ولكنها في كلية أخرى غير التي تدرس بها أمرية … كان غرض تشجيع مريم للدراسة معها مرافقتها في السيارة وحسب .. بدا العام الدراسي 2013م _2014م لتلج الطالبة مع عدد من الطالبات والطلاب قاعة الجامعة لتأخذ أول الدروس أكمل الأستاذ الدرس وانصرف وبدأت الطالبات يتجمعن ذهبت أمرية إليهن لتتعرف على زميلاتها الجدد .. مرت الأيام º ومضى الشهر الأول من الفصل الدراسي الأول والأمور تسير على ما يرام º تعرفت أمرية على زميلات في الفصل لكنها لم تنسجم معهن رغم محاولاتها º هذه الحالة لم تكن لدى أمرية بل عند بعض زميلاتها فهي غير مرغوبة فيها لأنها لم يحل لها بعض تصرفاتهن º فهي بنت ريف وعاداتها وسلوكها يختلف عنهن º زميلاتها كن يسخرن منها وتكثر تعليقاتهن عليها .. كل هذه التحديات لم توقف أمرية من إكمال مشوارها º ظلت تنافس وتسلم واجباتها بانتظام وكادت أن تحقق تفوقها على الطلاب والطالبات من خلال إشادة أساتذة ودكاترة الجامعة .. وهنا كانت الكارثة وبدأت المؤامرات وكيد النساء º لم يكن كيد النساء هذه المرة على الرجال بل على بعضهن البعض º دبرت الحكاية وأحكمت حلقاتها اعتضدن كتلة واحدة ضد بنت الريف طالبة العلم وصاحبة الطموح º تكررت المحاولة أكثر من مرة للإيقاع بها وتفلت .. بدأت أمرية تتكيف مع الوضع وجو الدراسة وتأخذ مكانها في مقاعد الصفوف الأولى º بل وأمام طاولة المحاضر أحاطت بها الطالبات من كل مكان .. إنها المؤامرة النسائية .. دخل الأستاذ المحاضر ورمى بحقيبته وهاتفه الجوال على الطاولة التي أمامه وأمام أمرية والطالبات في الصفوف الأمامية º ظل الدكتور يشرح ويتنقل بين منصة الإلقاء وبين الطلاب .. كان آخر ما قاله هل لديكم أعزائي أي سؤال ¿ اكتظت القاعة بالطلاب وتجمعوا حول الدكتور منهم من يسأل ومنهم من يستمع .. خرجت أمرية من القاعة مسرعة نحو مكان انتظار العم عبده صاحب السيارة لتعود إلى المنزل .. لتحضر في اليوم التالي إلى الكلية وقبل اتجاهها نحو قاعة المحاضرة رأت اسمها في ورقة على حيطان الكلية تطلبها بالحضور إلى عمادة الكلية .. اصطدمت !!! ماذا جرى ¿ لم تتأخر ذهبت مسرعة إلى العمادة كان الدكتور أمامها º تسأله .. ما المشكلة ¿ رد عليها بعبارات قاسية .. وهل لك وجه تأتي إلى هنا ¿!!! ما الجرم الذي ارتكبته ¿ كان نائب العميد أكثر اختصارا في حديثه معها .. أأنتي سرقتي تلفون الدكتور ¿¿¿ ردت وهي ترتعد من الخوف ولهول التهمة والجريمة التي الصقت بها .. أقسمت بالله وبكل شيء أنها بريئة من التهمة .. صارحها أستاذها زميلاتك شهدن عليك بأنك من سرق التلفون وغادرتي مسرعة من القاعة º وأنت من كان بالقرب من الطاولة حيث الحقيبة والجوال .. بررت º حاولت º ولكن دون فائدة .. طلب منها العميد وأستاذها بأن تأتي بولي أمرها أو تعيد التلفون وتحرم من دخول اختبار المادة .. أنها الصاعقة بل الكارثة º الدكتور يتحدث عن تلفون قيمته أكثر من 90 ألف ريال º وهي بالكاد تحصل من أخيها وعمها أخو والدها على مبلغ المواصلات للوصول للجامعة .. صحت من هول الكارثة º خرجت إلى القاعة وهي تذرف الدموع وتشكي مصابها إلى الله º التقت بزميلاتها تعاتبهن من منكن شهدت ضدي جميعهن يضحكن وينكرن في نفس الوقت .. غادرت الكلية وهي تكفر بالجامعة وتتمنى لو الأرض تنشق وتبتلعها .. أمرية الطموحة والتي تربت على الأمانة والأدب والخلق الحسن تدخل الجامعة لمدة لا تتجاوز شهرين لتخرج منها لص .. قررت ترك الجامعة لكن ماذا سيقول أهل القرية وأخوها وعمها ووالدتها وأختها الكبيرة ¿ لماذا تركت أمرية الجامعة ما الجواب ¿ .. لم يكن أمامها سوى اللجوء إلى أخوها لينصفها .. انتظرت العم عبده السائق لتعود حسب العادة º لم تكتم غضبها وقهرها لبضع الوقت من وصولها حتى أسرت بما حصل لها لوالدتها التي هي الأخرى تحسرت على ذهابها إلى الجامعة فبدلا من أن تحصل أمرية على الشهادة الجامعة خرجت منها بشهادة أنها سارقة º جاء أخوها إلى البيت ووالدته معبسة قاطبة الوجه وأخته الصغيرة المدللة تبكي .. سألها ما الأمر .. شرحت له التفاصيل .. فلم تكن ردة فعله اقل من أمه .. أأذهب أمام الطالبة والأكاديميين أدافع عن أختي السارقة .. لماذا فعلتي ذلك ¿ أنكرت وحلفت بكل شيء º عسى أن يصدقها فهي لا تريد شهادة الجامعة ولم تعد الشهادة طموحها في تلك اللحظةº ولكن حتى تستعيد ثقتهم بها وتؤكد براءتها .. دون فائدة º فالجميع أحس بأن أمرية قد أفسدتها الجامعة ومخالطتها للفتيات غير السويات .. يا للعار يا للعار .. هكذا كان يصرخ أخوها ويبكي خوفا من الفضيحة .. نواح وعواء الأخ والأم والأخت º أفقد لأمرية أعصابها º خنفت وخرجت مسرعة إلى عمها اخو والدها وحامي حمى الأسرة º رمت بنفسها إلى حضنه وهي تجهش بالبكاء وبدأت توضح له ما حصل لها .. لم تكمل حتى قال لها .. هذا ما لم نكن نحسب حسابه !!! قالت حتى أنت يا عمي لم تصدقني وحكمت علي وأنا أحلف لك بأني بريء .. أن الفتيات هن من افتعلن هذه القصة ودبرن لي المكيدة .. ببساطة قال العم لابنة أخيه لا نريد راءتك ولا شهادتك عودي إلى البيت واقعدي مع القاعدات .. يا خسارة التربية .. عادت أمرية مكسورة الجناح مغلوبة على أمرها دخلت البيت والجميع ينظر لها بعين الاحتقار والحسرة .. اعتكفت أمرية واختفت عن الأنظار لتحاشي المواجهات الخاسرة ليومين متتاليين º بعدها قررت ان تدفن العار وتخلص أسرتها والمجتمع الذكوري الذي لا يساند المرأة وينظر إليها بأنها عار وعورة حتى وأن كانت على يقين .. في تمام الساعة 12 والنصف ظهرا خرجت أمرية وقد كفنت نفسها وارتدت ثياب الوداع واحتشمت وصلت الظهر وركعتي الوداع سلمت على والدتها وانطلقت كانت وهي في طريقها إلى خارج القرية نحو السد, وتبلغ وتشهد كل من صادفتهم من أهل القرية أن أخاها وعمها هما السبب في دمار حياتها .. كانت متجهة نحو السد الممتلئ بالمياه بالقرب من القرية بسرعة غير معتادة وكأنها ذاهبة لملاقات حبيب أو عزيز أو أنها هاربة من حريق أو مجرم يلاحقهاº بدأت القرية نسائها ورجالها تضج ونادت النساء لوالدتها اللحاق بابنتها ركضت النساء والرجال خلف أمرية º لكنها كانت أسرع منهم إلى قدرها الذي اختارته للخلاص من الدنيا وطموحاتها وعدوانية البشر ضد البشر .. وصل الجميع والطالبة أمرية تطفو على مياه السد جثة هامدة يغطي جسدها الطمي ( الطين ) والمياه .. تاركة كل تلك الأحداث وكذا اللص الذي دمر حياتها خلفها وعلى من ما يزالون أحياء.. لتشيع بعد ذلك إلى مثواها الأخير º في مقبرة القرية ليظهر بعد أسبوع من وفاتها وانتحارها في السد التفاصيل حول جريمة سرقة الجوال حين ذهب احد أقارب أمرية إلى عمادة الكلية والدكتور صاحب الجوال ليعلمهم بما صار لأمرية º ليشيع الخبر بالكلية º لتتأثر إحدى الطالبات بقصة زميلتها أمرية ويصحو الضمير الإنساني الذي ظل مستتر وغائب وتؤكد براءة أمرية وأن من ارتكب الجرم هن زميلات أمرية .. وهنا تنتهي الحكاية .