الرئيسية - قضايا وناس - يحبونني ميتا
يحبونني ميتا
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

● لم أعرفه حين صادفته فجأة في أحد الشوارع .. يمشي ضاحكا يومئ بيديه ويتمتم بكلمات لا تفهم .. لكن رغيف الخبز الذي كنا نقتسمه ونضحك (عالجوع الكافر) والنقاشات التي لم تنته في السياسة والشعر والصبايا وكل أحلام الشباب التي لا تنطفئ تقول أنه هو بعظامه التي برزت اليوم أكثر وشحمه القليل الذي ذاب وروحه التي تأبى إلا أن تعشق الوطن. حدقت فيه وقلت (مغرم) وهو الاسم الدال على الحروف الأول من اسمه الكامل .. انتبه .. حدق في وابتسم وحضن كل منا الآخر .. اغرورقت عيناي بالدمع حينها ومرة أخرى وأنا أتذكر المشهد لأدون هذه السطور.. المهندس الذي انتظرته أمه طويلا وهي (تدمي المدى) بملالاتها الشجية في قرية من قرى دبع عاد بالأمس يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية بعد سنوات كانت أكثر من جميلة وحياة كلها ثورة في بلد أكثر من عزيز هو الأردن. المهندس الذي عاد بالأمس ضاع منا اليوم في الزحام كما يضيع الكثير من الشباب دونما انتباه. حين تبحث عن السبب تصم اذانك التحليلات المفرغة من معنى متكامل .. ويتجاذب من حولك أطراف الحديث حتى يتمزق .. تسري بك الآلام حتى تموت ألف مرة في الدقيقة .. تحس بالعجز في صلب عظامك والدماء خصوصا حين تتأكد في قرارة نفسك أنك لن تفعل شيئا لصديق عمرك.. مسحت دمعي السفيهة التي تفضحني دائما على الملأ .. وقلت له: تعال اليوم معي .. اعتذر عن الدعوة بلطفه المعتاد .. قال أنه ذاهب كعادته لتناول القات في لوكندة شعبية حيث يعيش وده وسط الحضور الكثيف والضجيج. قلبت في أفكاره علي (أرى ما أريد) فأجابني بما لا يريد .. وتحدث عن نظريات جديدة في الشعر والكهرباء لم يسبقه إليها أحد .. غير أني كنت اقرأ في عينه محمود درويش ينشد: يحبونني ميتا ليقولوا لقد كان منا وكان لنا سمعت الخطى ذاتها منذ ألف عام ليس صديقي وحده يعيش هذه الحالة من الموت المترجل .. بل كثير من الشباب المتعلمين الوطن محتاج لهم ليكونوا أيادي تبني بعد أن بذل الغالي والنفيس كي يتعلموا ومن حولهم يحتاجونهم .. وهم أيضا يحتاجون أنفسهم. سؤال أتوجه به إلى الحكومة وكل مسؤول وكل راع .. من المسؤول عن تحول الشباب المتعلم الكفؤ من طاقة جبارة للبناء إلى طاقة مهدورة وحطام أليس من حق هؤلاء الشباب أن يلقوا الرعاية الصحية اللازمة من المؤسسات التي يعملوا فيها حتى يستطيعوا تجاوز ما يمرون به ويعودوا إلى ميدان البناء. من منا لا يضعف .. من منا لا يحبط أو لا يكتئب¿ لكن لكل فرد قدرات وظروف تحيط به .. ربما حتى تمنعه من الاستسلام لليأس .. وهكذا نعود – على الأقل – إلى نقطة قريبة من التوازن. واجب على كل مؤمن محب لله وللحياة ولوطنه أن يعير من حوله ما استطاع من الرعاية لا سيما أولئك المحتاجين لا للدرهم ولا للدينار لكن للأمل..